القائمة الرئيسية

 

الصفحة الرئيسية

مما يهون على الإنسان ما يلقاه من بلاء وشدة

 

قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إذا سَبَقَتْ للعبدِ من الله مَنْزِلَة لم يَبْلُغْهَا بِعَمَلِه ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم صَبَّرَه حتى يُبَلِّغَه المنْزلة التي سَبَقَتْ له منه" .

معنى هذا أن الله يَكتب لِعبدِه المؤمن – أو لأمتِه المؤمنة – منْزِلة في الجنة ، فلا يَبلُغها هذا الإنسان بِعملِه ، فيُبتَلى في جسده أو في ماله أو في ولده ، ثم يُرزق الصبر على البلاء ، فترتفع مَنْزِلته ، حتى يصِل إلى تلك المنـزِلة.

فإن المؤمنين يَدخُلون الجنة بِرحمة أرحم الراحمين , كما قال عليه الصلاة والسلام  : " لن يُدْخِل أحدا منكم عَمَلُه الجنة.قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة " . رواه البخاري ومسلم .

وتكون منازلهم في الجنة بِحسب أعمالهم ، كما قال تعالى عن أهل الجنة : (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

قال ابن عطية في تفسير الآية : ليس المعنى أن الأعمال أوْجَبَتْ على الله إدخالهم الجنة ، وإنما المعنى أن حظوظهم منها على قدر أعمالهم ، وأما نفس دخول الجنة وأن يكون من أهلها فَبِفَضْلِ الله وهُداه .

وقال القرطبي في تفسير الآية: أي ورثتم منازلها بِعَمَلِكم ، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله .

وقال ابن كثير في تفسير الآية: أي بسبب أعمالكم نالَتْكُم الرحمة ، فدخلتم الجنة ، وتبوأتم منازلكم بحسب أعمالكم .

فَمَن كُتِبتْ له منـزلة عالية في الجنة ، وعلِم الله أنه لا يَبلُغها ولا يَصِل إلى تلك المنـزِلة بِعَمَلِه ابتلاه حتى تُرفَع درجاته بسبب ذلك البلاء .

 وهذا مما يُهوّن على الإنسان ما يَلقاه من بلاء وشِدّة وضيق ونحو ذلك.

ويَهون بلاء الدنيا وشِدّتها إذا رأى الإنسان نتيجة صبرِه ، ورأى ما أعدّ الله له ، ففي الحديث : " يَوَدّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعْطَى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرِضَتْ في الدنيا بالمقاريض ". رواه الترمذي .

وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يُؤتَى بأنْعَم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة ، فيُصْبَغ في النار صبغة ، ثم يُقال : يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط ؟ هل مَرّ بِكَ نَعِيم قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ، ويُؤتَى بأشدّ الناس بُؤساً في الدنيا من أهل الجنة ، فيُصْبَغ صبغة في الجنة ، فيُقال له : يا ابن آدم هل رأيت بُؤساً قط ؟ هل مَرّ بِك شِدّة قط ؟ فيقول : لا والله يا رب ما مَرّ بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط ".

فينسى أهل البلاء ما مرّ بهم في الدنيا من شِدّة وبؤس وفقرٍ وجُوع وغير ذلك – يَنسون ذلك كله إذا ذاقوا نعيم الجنة لِلَحْظَة واحدة