القائمة الرئيسية

 

الصفحة الرئيسية

عقوبة أم ابتلاء؟؟!!

 

قال تعالى: (( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)). وقال تعالى: ((وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)).

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليحرم الرزق بذنبه يصيبه"، وقوله أيضا: "والله ما اختلاج عرق ولا عثرة قدم ولا نسيان علم إلا بذنب".

إذن كيف يتسنى للإنسان أن يحاول أن يعرف ما يقع من مصائب في حياته، هل هي عقوبة أم ابتلاء؟. وإذا نظرنا إلى قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "لو نودي يوم القيامة أنه لن يدخل النار إلا واحد لظننت أنه عمر، ولو نودي أنه لن يدخل الجنة إلا واحد لظننت عمر"، فما علاقة ذلك بالابتلاء والعقوبة؟، تبين لنا تلك المقولة أن لدى عمر رضي الله عنه "رجاء عظيم في رحمته" يجعله لا ينفك أن يكون من أهل الجنة، وأن لديه أيضا خوف من الله، يجعله لا ينفك أن يعتبر نفسه واحد من أهل النار.

فمن هذا المنطلق، نقول إذا كان العبد على معصية وأدركته بعد ذلك مصيبة في نفسه وأهله، فإن ما حدث هو من آثار المعصية، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى تلك المعاصي

وقال اعلم بأن العلم نور ... ونور الله لا يعطى لعاص

أما إذا كان الإنسان على طاعة وقرب من الله عز وجل، ثم وقعت له مصيبة، في نفسه أو أهله، فإن هذا يكون من باب الابتلاء والاختبار.

وقد يكون الابتلاء والعقوبة من باب التذكرة والإنذار للعبد بمراجعة نفسه، وعلاقته بالله عز وجل، قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ، وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)  .

فكما تكون سنَّة الله في ابتلاء عباده بأنواع الابتلاءات الكثيرة لتمحيص النفوس، واختبار القوَّة من الضعف والصبر من الجزع، فإنَّها من جهةٍ أخرى تكون للتنبيه للأخطار والتقصير في بعض الواجبات، فلا يصحُّ أن نعلِّل ابتلاءاتنا دائماً بالعلَّة الأولى دون الانتباه إلى العلَّة الثانية، كما يفعل كثيرٌ منّا، فنغطِّي بذلك على أخطائنا، ونرسِّخ أمراضنا وأدواءنا من حيث نشعر أو لا نشعر.

وهكذا فإنَّ سوء العواقب بسبب أخطائنا لاشكَّ أنَّها حقيقةٌ لا يمكن إنكارها، فعدم تقدير المسلم للموقف، وعدم إحسان التصرُّف حياله، وعدم الأخذ بالأسباب، وعدم الحكمة في التعامل معه، وارتكاب المعاصي، كلُّ ذلك قد يؤدِّي إلى سوء العاقبة.

وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ على ذلك:

- حين خالف الرماة تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، هُزِم المسلمون، وكان ابتلاء الهزيمة لأجل الحصول على العظة والعبرة.

- ما ورد عن بعض السلف: إنَّما يجد المسلم أثر معصيته في تعثُّر دابَّته، أو نشوز زوجته.

- قَصص الأقوام الذين تعرَّضوا لسوء العاقبة، إنَّما ذلك بسبب أخطائهم وتكذيبهم للرسل.

أنَّ المقياس الفارق بين الابتلاء بسبب تقصيرنا، وابتلاء التمحيص والاختبار من ربِّنا سبحانه، هو "الأخذ بالأسباب". عندما نأخذ بالأسباب كاملةً ثمَّ يأتينا الابتلاء،عندها يكون اختبارا، وتمحيصا، وإنزالاً من الذنوب، ورفعاً في الدرجات. وعندما نقصِّر في أعمالنا، ونقع في الذنوب والمعاصي، عندها يكون الابتلاء عقابا، وسوء عاقبة.

المقياس واضحٌ بيِّنٌ لا لبس فيه، ولكنَّنا دأبنا –نحن المسلمين- على تحميل ديننا أخطاءنا، وأبدعنا في استخدام كلماتٍ مثل: "قدَّر الله وما شاء فعل- خيراً إن شاء الله يا أخي- المؤمن مبتلى- ...... وغيرها كثير" في غير موضعها، فاستعملناها مبرِّرات تقصير، ومريحات ضمير، ورافعات إثم، وما هي كذلك.. والله ربُّنا لا يخفى عليه شيءٌ سبحانه.