مواسم الخير
مضى رمضان،
وتصرمت لياليه الفاضلة وأيامه المباركة، وربح فيه من ربح، وخسر من خسر،
وبعد رمضان بدأ الفتور يغزو القلوب، وبدأ منحنى الإيمان في الهبوط مرة أخرى
عند الكثيرين، ولكن الله تبارك وتعالى دائم العطاء والمنّ، وقد قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم) : افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة
الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده (فهل تقبل هذه
المنحة الإلهية ؟ وهل تكثر من الأعمال الصالحة من صدقة وصيام وقراءة للقرآن
وصلة الرحم وإطعام المساكين ؟ فلربما لا تدركه في العام المقبل !!.
وها هي الأيام العشر الأول من ذي الحجة قد أقبلت علينا، وهي أفضل الأيام
عند الله تعالى إخوتي! ومن فضل هذه الأيام أن العمل الصالح فيها لا يضاهيه
عمل، ولا الجهاد في سبيل الله، إلا خروج الرجل بكل ما يملك، ولم يرجع بشيء
من هذا كله .
إخوتى! عليكم أن تُشمروا عن ساعد الجِد في هذه الأيام، وتستعينوا بالله على
الطاعة فيها، والمُوفق من وفقه الله تعالى إلى خيري الدنيا والآخرة .
|
|
|
|
أفضل أيام
الدنيا
وها هي الأيام العشر الأول من
ذي الحجة قد أقبلت علينا، وهي أفضل الأيام عند الله تعالى..
قال الله
تعالى: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر:1-2) ، قال ابن كثير رحمه
الله: المراد بها عشر ذي الحجة
قال
الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ
فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ
فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ
وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا
أُوْلِي الأَلْبَابِ}
قال
الله تعالى: {..
وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }آل عمران97
|
ما يستحب فعله في هذه الأيام
الصلاة وقيام الليل : يستحب
التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات. روى
ثوبان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عليك
بكثرة السجود لله ، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك
بها خطيئة".
الاكثار من الذكر و التكبير والتهليل
والتحميد: قال الإمام البخاري رحمه الله: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله
عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما".
وقال أيضا: "وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر
أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا". من صيغ التكبير:
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله...الله
أكبر الله أكبر ولله الحمد
الصيام: لدخوله في الأعمال
الصالحة،كان رسول الله يصلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم
عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر. قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر أنه
مستحب استحبابا شديدا.
الدعاء: لا تنس أخي كثرة
الدعاء واللجوء إلى الله، ليقضي الله لك حوائج الدنيا والآخرة، قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "السؤال هو العبادة فتعبد لله بسؤاله والتضرع له"
|
|
بماذا تستقبل
مواسم الخير؟
حريٌّ
بالمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن
الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن
مولاه. كما يستقبل مواسم الخير علمة بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما
يرضي الله - عز وجل - فمن صدق الله صدقه الله: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (العنكبوت:69) ، وقال تعلى: (
وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) (آل عمران:133) .
فيا أخي المسلم احرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة، قبل أن تفوت عليك
فتندم ولات ساعة مندم. فإن الدنيا أيام قلائل ونحن في دار العمل وغداً دار
الجزاء والحساب والجنة والنار، وكن من الذين عناهم الله عز وجل بقوله: (
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً
وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) (الأنبياء:90) .
|
|
مجالات الصدقة الجارية
1 - سقي الماء وحفر الآبار؛
لقولة عليه الصلاة والسلام: { أفضل الصدقة سقي الماء }
2 - إطعام الطعام؛ فإن النبي
عليه الصلاة والسلام لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: { تُطعم الطعام،
وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف }
3 - بناء المساجد؛ لقوله عليه
الصلاة والسلام : { من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتاً في
الجنة }
4 - الإنفاق على نشر العلم،
وتوزيع المصاحف، وبناء البيوت لابن السبيل، ومن كان في حكمه كاليتيم
والأرملة ونحوهما، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة
والسلام: { إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره،
أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن
السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه
بعد موته }
|
آداب وأحكام
العيد
1- التكبير: يشرع التكبير
من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة
قال تعالى: ( وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ )
(البقرة:203) وصفته أن تقول: ( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله
والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد ) ويسن جهر الرجال به في المساجد
والأسواق والبيوت وأدبار الصلوات إعلانا بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته
وشكره.
2- ذبح الأضحية: ويكون ذلك
بعد صلاة العيد لقول رسول الله: ( من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى،
ومن لم يذبح فليذبح ) رواه البخاري ومسلم. ووقت الذبح أربعة أيام العيد،
ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي أنه قال: ( كل أيام
التشريق ذبح ).
3- الإغتسال والتطيب
للرجال: ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا - أما المرأة فيشرع لها الخروج
إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب، وأربأ بالمسلمة أن تذهب لطاعة الله
والصلاة وهي متلبسة بمعصية الله من تبرج وسفور وتطيب أمام الرجال.
4- الأكل من الأضحية:
كان رسول الله لا يطعم حتى يرجع من المصلى قيأكل من أضحيته.
5- الذهاب إلى مصلى العيد
ماشياً إن تيسر: والسنة الصلاة في مصلى العيد إلا إذا كان هناك عذر من مطر
مثلاً فيصلي في المسجد لفعل الرسول .
6- الصلاة مع المسلمين
واستحباب حضور الخطبة: والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن
تيميه أن صلاة العيد واجبة لقوله تعالى:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )
[الكوثر:2]. ولا تسقط إلا بعذر شرعي والنساء يشهدن العيد مع المسلمين، حتى
الحيض والعواتق ويعتزل الحيض المصلى.
7- مخالفة الطريق: يستحب
لك أن تذهب إلى مصلى العيد من طريق وترجع من طريق آخر لفعل النبي.
8- التهنئة بالعيد: لا
بأس مثل قول: تقبل الله منا ومنكم.
|
|
بعض أحكام
الأضحية ومشروعيتها
شرع الله الأضحية بقوله
تعالى: ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (الكوثر:2) وقوله تعالى: (
وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ) (الحج:36) ، وهي
سنة مؤكدة، ويكره تركها مع القدرة عليها لحديث أنس الذي رواه البخاري ومسلم
أن النبي ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر.
مم تكون
الأضحية؟
الأضحية لا تكون إلا من
الإبل والبقر والغنم لقول الله تعالى: ( لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى
مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام ) (الحج:34) . ومن شروط الأضحية
السلامة من العيوب. قال رسول الله: ( أربعة لا تجزئ في الأضاحي: العوراء
البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ضلعها، والعجفاء
التي لا تنقي (رواه الترمذي.
وقت الذبح
بداية وقت الذبح بعد صلاة
العيد لقول الرسول: ( من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد
الصلاة والخطبتين فقد أتم نسكه وأصاب السنة ) متفق عليه.
ويسن لمن يحسن الذبح أن
يذبح أضحيته بيده ويقول: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عن فلان ( ويسمِّي
نفسه أو من أوصاه ) فإن رسول الله ذبح كبشاً وقال: ( بسم الله والله أكبر،
اللهم هذا عني وعن من لم يُضح من أمتي ) رواه أبو داود والترمذي، ومن كان
لا يحسن الذبح فليشهده ويحضره.
توزيع
الأضحية
يسن للمضحي أن يأكل من
أضحيته ويهدي الأقارب والجيران ويتصدق منها على الفقراء قال تعالى:(
فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ) ]الحج:28] وقال
تعالى (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ )
(الحج:36) وكان بعض السلف يحب أن يجعلها أثلاثاً: فيجعل ثلثاً لنفسه،
وثلثاً هدبة للأغنياء، وثلثاً صدقة للفقراء. ولا يعطي الجزار من لحمها
شيئاً كأجر.
|
|
فضل العمل في
أيام عشرة ذي الحجة
قال النبى
صلى الله عليه و سلم : (ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من
هذه الأيام) يعني أيام عشر ذي الحجة، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:
(ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك
بشيء)
قال ابن حجر: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان
اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك
في
غيره
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:" صيام يوم عرفة، احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده
".
قال عز وجل: "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي
أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ"، والأيام المعلومات هي أيام العشر الأوَل من ذي
الحجة، وأيام هذه العشر أفضل من لياليها عكس ليالي العشر الأواخر من رمضان
فإنها أفضل من أيامها، ولهذا ينبغي أن يجتهد في نهار تلك الأيام أكثر من
الاجتهاد في لياليها.
فعلى المسلم أن يعمر هذه الأيام وتلك الليالي بالأعمال الصالحة والأذكار
النافعة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليتسابق المفلحون، وليتبارى
العاملون، وليجتهد المقصِّرون، وليجدّ الجادّون، وليشمِّر المشمِّرون، حيث
تُضاعف فيها الحسنات، وتُرفع الدرجات، وتتنزل الرحمات، ويُتعرض فيها إلى
النفحات، وتُجاب فيها الدعوات، وتُغتفر فيها الزلات، وتكفر فيها السيئات،
ويُحصل فيها من فات وما فات.
|