رتب لخدمات احصائيات و ترتيب المواقع | اقرأ باسم ربك - احصائيات و ترتيب
 

.

 

 

خريف العمر..!!

كان الجو باردا جدا....و كان الظلام يخيم على المكان.....كانت الستائر المهترئة تتطاير بفعل الهواء الشديد الذي كان يتسلل من فتحة خلفتها السنون في زجاج النافذة....أذكر أنني أغلقت هذه  الفتحة أكثر من مرة...و لكنها و مع بداية كل شتاء وبفعل العواصف الشديدة كانت تتخلص من كل ما يغطيها من  الورق المقوى و المواد اللاصقة و ما تلبث أن تفتح و كأنها  تصر على أن لا تحرم هذه الستائر من هذا الهواء الذي يحركها و كأنه يمدها بالحياة فيدب فيها النشاط والحركة فتتطاير في أرجاء الغرفة...

بحثت عن شيء ما يساعدني في إغلاق فتحة النافذة...فوجدت قطعة من الورق المقوى أذكر أنها كانت غلافا لكتاب قرأته منذ زمن بعيد....كان عنوانه "خريف العمر" ...تحدث فيه الكاتب عن عمر الانسان وأيامه التي تنقضي بسرعة..و لا يبقى منها الا الذكريات....الذكريات الجميلة والذكريات الحزينة....اذكر أن نظرة الكاتب كانت متشائمة نوعا ما....فهو يعتقد أن الذكريات الحزينة والمؤلمة هي الأكثر و تغلب على الذكريات الجميلة....

لكنني لا أذكر أين وضعت هذا الكتاب...هل اهترأت صفحاته مثل جسدي الذي بدأت أعراض الشيخوخة تظهر عليه....مالي و هذا الكتاب الآن ....ما زلت أشعر بالبرد...لم يعد جسدي النحيل قادرا على تحمل هذا البرد....

أغلقت فتحة النافذة و أشعلت موقدة الحطب لأحصل على بعض الدفء والانارة...فلقد بدأ الظلام يسدل ستارته على المكان....لم يكن هناك الكثير من الحطب...و لا أدري ان كان سيكفيني حتى انتهاء هذه العاصفة الشديدة .... و بدأت أتامل النيران و هي تأكل في الحطب شيئا فشيئا حتى يصبح هباء منثورا....كعمر الانسان ...تأكله الأيام....و يأكله الزمن....

و الآن لقد نفد الحطب....و العاصفة في الخارج ما زالت مستمرة....لا بد أن أبحث عن شيئا ما أحرقه....بحثت في أرجاء الغرفة....لم يساعدني الضوء الخافت الذي ينبعث من الموقدة على البحث و ايجاد أي شيء ممكن أن يبقي النار مشتعلة..

و جدت صندوقا قديما فيه مجموعة من الأوراق..لا أدري إن كانت هذه الاوراق مهمة ام لا..كل ما فكرت فيه تلك اللحظة هو الحصول على الدفء....أخذت هذه الأوراق و بدأت بإدخالها في المدفأة...و بالفعل تجدد اشتعال النيران..التي أنارت المكان....كنت ما زلت ممسكا ببعض الأوراق في يدي.....نظرت الى هذه الأوراق التي مال لونها الى الاصفرار..... لأجد عنوانا يتوسط احدى الأوراق....

كان العنوان " خريف العمر".....

28-7-2002