رتب لخدمات احصائيات و ترتيب المواقع | اقرأ باسم ربك - احصائيات و ترتيب
 

.

 

سنلتقي على هذه الأرض يوما !!

سنلتقي على هذه الأرض يوماً..

تلك هي طبيعته التي جُبل عليها، فقد اعتاد أن يساعد الناس جميعهم.. وأن لا يتوانى في خدمتهم مهما كلّفه الأمر.. وإن تعرض لظروف صعبة أو قاسية.. بل إن هذا ما يشعره بالراحة ويبعث في نفسه الشعور بالرضا.. أن يمد يد العون للكثيرين.. أن يشاطرهم آلامهم.. وكذلك أفراحهم.. فيحزن لحزنهم ويفرح لفرحهم.. أن يُضحِكهم.. ويسعى لإبعاد الحزن عنهم.. يحب الناس تواجده معهم.. وإن غاب.. تدفقت عليه المكالمات من جميع الأرجاء.. للإطمئنان عليه.. ذاك هو.. استطاع أن يكسب محبة الناس فقط لأنه أحبّ الناس..

للصداقة في حياته معنى عظيم.. كيف لا وهو يدرك قيمة الأصدقاء ويحرص على الإلتقاء بهم مهما كان الثمن.. بالأمس علم أن صديقاً له سيتواجد في أمريكا لمدة يومين لحضور مؤتمر.. وهو الآن في لندن.. سيعود صديقه إلى بلده بعد يومين بينما هو ممنوع من دخول بلد صديقه هذا.. ففكر في نفسه قائلاً: آن الأوان أن أرى صديقي.. قد لا تتكرر الفرصة مرة أخرى.. لم ألتق به منذ عشر سنوات.. يجب أن أراه.. انطلق مسرعا إلى مكتب الحجز.. يجب أن اكون في أمريكا غداً الاثنين.. ماذا.. لن أصل إلى هناك قبل يوم الثلاثاء.. حسناً حسناً.. الثلاثاء موافق.. المهم أن أراه حتى وإن كان لمدة ساعتين.. انتهى من جميع الترتيبات وانطلق الى المطار.. تحدث مع صديقه.. علم منه أنه سيغادر أمريكا فجر يوم الأربعاء.. لا تقلق يا صديقي..سنلتقي.. نعم سنلتقي.. كما جمعتنا الأيام على مقاعد الدراسة.. وفي ملعب القرية القديم.. وتحت شجرة الخروب الصامدة حتى الآن.. سنجتمع أخيرا.. وستصمد صداقتنا للأبد كصمود تلك الشجرة التي تغرس جذورها بقوة في الأرض ولا تنهار مهما امتد الزمن..

بدأت المكالمات تنهال على جهازه النقّال.. الكل شعر بغيابه.. إذ أنه قرر السفر فجأة ولم يخبر أحداً.. لم يجب أحداً.. يوم واحد وأعود إليهم.. ويطمئنو عليّ.. ركب الطائرة.. واسترخى على المقعد.. وبدأ يحلم بذاك اللقاء.. ماذا يجب أن يقول لصديقه قبل أن ينتهي اللقاء.. في داخله الكثير ليقوله.. ولكن لا وقت لكل ذلك.. سيحاول الاختصار..إن استطاع.. ولكن الكلام كثير.. والمشاعر أكبر..

في الطائرة..جلس بجانبه رجل عجوز.. كان هادئاً.. وتبدو على وجهه ملامح الطيبة والنقاء.. قرر أن يخترق هذا الصمت السائد بنيهما ويبدأ بالحديث  ..
Are you good؟؟ فأجابه: لا أدري ماذا تقول.. كم كانت فرحته عظيمة عندما عرف أنه عربي مثله.. أهلاً بك يا عم.. يسعدني أنك عربي.. وكانت سعادة العجوز تفوق سعادته.. فكل منهما شعر أن الوطن قريب.. وأن هناك ما يخفف أشواك الغربة عنهما.. وتبادلا الحديث معا .. وتحدث كل منهما عن سبب توجهه الى أمريكا.. كان الرجل العجوز يتحدث وعيونه تفيض بالدموع.. كان يخبرني أن سعادته لا توصف لأن ابنه الذي ترك بيت أهله يوماً ما دون موافقتهم ..وسرق جواز سفره من خزانة والده لأنه كان يرفض سفره ..وهاجر الى أمريكا.. وتوفيت والدته حزناً على فراقه..فاجأه بمكالمة بعد عشرين سنة مفادها أنه نادم على كل ما فعل وأنه اشتاق لوالده ويريد أن يراه..فأرسل له التأشيرة وثمن التذكرة ليراه.. الحمدلله ما زالت الدنيا بخير.. أسعدني ما سمعته.. وسعدت من أجل هذا الرجل الذي عرفته قبل ساعة فقط.. تشرفت بمعرفتك يا عمي.. وأنا أيضاً يا بني.. يشرفني أن أتعرف الى رجل مثلك يقطع المسافات  ليرى صديقاً له.. ولكن يا بني هل تساعدني في شيء؟ .. اطلب يا عمي لك ما تريد.. أخبرني ابني انه سيرسل حفيدي لاستقبالي في المطار.. وأنا لا أعرفه ولكنه سيحمل لافتة مكتوب عليها اسمي.. عادل إبراهيم.. ولكنني لا أعرف القراءة.. فأرجو أن تبقى معي حتى ألقاه.. بكل سرور ياعمي.. لا تقلق.. سأبقى معك حتى أطمئن انك التقيت به.. فهل من الممكن أن يرفض طلبا كهذا وهو من اعتاد ان يعرض نفسه للخطر ليساعد الناس..

نزلا من الطائرة.. وأنهيا كل الاجراءات.. ووقفا ينظران الى جموع المستقبلين.. علهما يران تلك اللافتة.. مر وقت طويل ولم يظهر أحد.. والوقت بدأ يدركه.. يجب أن يغادر المطار سريعا ويتجه إلى الفندق الذي يقيم به صديقه.. لم يبق إلا ساعة وسيغادر.. ولكن ماذا يفعل.. فلا يستطع أن يترك هذا الرجل.. نظر إليه الرجل العجوز وقال له: اسمع يا بني اعرف أنك في عجلة من أمرك ويجب أن ترى صديقك.. لا بد أن تغادر حالاً.. ولكن ماذا ستفعل أنت؟؟ سأحاول أن أعود إلى بلدي.. لا تقلق.. يبدو أنه لن يأتي أحد.. كان الحزن واضحاً على وجهه وإن حاول أن يخفيه أمامي..كان يشعر بالحسرة والألم.. طلبت منه ان يأتي معي ولكنه رفض.. وصمم على العودة.. توجه إلى أحد موظفي المطار لإرشاده.. وأخبره أنه سيساعده ليجد حجزا ويعود إلى بلده.. أما أنا فأخفيت دموعي وأنا اودعه.. ولكن لم يبقى معي وقت..

خرج من المطار مسرعاً.. واستقل سيارة أجرة.. كانت الطريق مزدحمة.. الأمر الذي لم يكن بالحسبان.. لم يعد الوقت في صالحه.. ولكن الازدحام مستمر.. فقرر أن ينزل ليسير على قدميه بدلاً من أن يبقى في سيارة الأجرة.. نزل من السيارة ولاحظ وجود سيارات شرطة .. لا بد أن هناك حادث.. بدأ يقترب شيئا فشيئا.. كان هناك تصادم بين سيارتين.. اقترب ورغب في التأكد من أن أحداً لم يصب بأذى.. فأكدوا له أن الاصابات خفيفة وقد تم نقلهم إلى المستشفى.. الحمدلله.. أراد ان يتابع المسير.. لكنه رأى لافتة على الارض مكتوب عليها ( عادل ابراهيم)!!.. نعم.. نعم.. إنه هو.. هذا ما أخّر حفيد الرجل العجوز.. لقد تعرض لحادث.. كان قادما ليراه.. يجب ان أخبره حالاً.. يجب أن لا يعود...كم ستكون سعادته.. أخرج هاتفه النقال ليتصل به ويخبره.. وبدأ يبحث في الأرقام.. اااااااااه.. لكن رقم هاتفه ليس لديّ.. ليتني أخذته.. ليتني سألته عن رقم هاتفه.. كم شعر بالالم.. ودّ حينها أن يصرخ بأعلى صوته.. ليسمعه الرجل العجوز.. كان يتمنى أن يسعده بهذا الخبر.. ولكن هيهات هيهات..
وفي هذه اللحظة..اتصل معه صديقه..
أين أنت؟؟..
اعذرني.. أخّرتني ظروف كثيرة..
للأسف يتوجب عليّ أن أغادر حالا.. لن استطع رؤيتك.. عندي اجتماع طارئ ومن ثم سأتوجه إلى المطار..
ماذا عساه أن يفعل..
حسناً حسناً.. لا تقلق.. إن لم نلتقِ اليوم.. فسنلتقي يوماً آخر.. صدقني سنجتمع على هذه الأرض يوما.. كما اجتمعنا تحت أوراق شجرة الخروب الصامدة.. نعم سنلتقي...!!

 

------------------

رنده النتشه

15-6-2010