رتب لخدمات احصائيات و ترتيب المواقع | اقرأ باسم ربك - احصائيات و ترتيب
 

.

 

 

مساعدة إنسان..!!

كانت السيدة تنظر الى واجهة المحل بكل شغف و انتباه..كانت عيناها تلمعان لكل ما تراه أمامها من مجوهرات جميلة و ساحرة ..من ذهب و فضة و بلاتين..بالاضافة الى الأحجار الكريمة المتلألئة البراقة..كانت تحدق في كل القطع التي أمامها بكل تركيز و انتباه..كانت منبهرة بكل ما تراه..أما ابنتها صفاء التي كانت تقف إلى جانبها ..كانت لا ترى أي شيء من هذا..فقد كان يلفت انتباهها منظرا آخر..كانت تنظر الى ذلك الرجل العجوز الذي يجلس بجانب باب محل المجوهرات..كانت التجاعيد تفترش وجهه و الشيب يغزو رأسه..كان ظهره محنيا و عيناه عاجزتان عن النظر الى أعلى.. كانت آثار الشيخوخة بادية عليه تماما.. كان يضع أمامه قطعة من الكرتون متوسطة الحجم عليها بعض الأشياء البسيطة التي يحاول جاهدا أن يقنع الناس أن يقوموا بشرائها ..فهي و ان كانت أشياء بسيطة..الا أن بيعها يعني له الشيء الكثير..قد يعني له مأوا يقيه حر الصيف أو برد الشتاء..أو قد يعني له طعاما يقوي بدنه و يساعده على مواصلة عمله..قد يعني له الكثير الكثير..

   كانت صفاء تنظر الى ذلك الرجل..و في ذهنها يدور سؤال تعجز عن إيجاد جوابا له..ما الذي يدفع رجلا في مثل هذا السن و في مثل هذه الحالة..أن يقوم بمثل هذا العمل؟؟؟؟.. إن مجموع ثمن كل الأشياء الموجودة على تلك الكرتونة لا يمكن أن يشتري أبسط و أصغر قطعة من القطع الموجودة في محل المجوهرات التي سحرت أمها بتلألئها و بريقها و لمعانها..ولم تخرج صفاء من حيرتها و تساؤلاتها إلا بعد أن سمعت صوت أمها تناديها من داخل المحل..في الداخل كانت أمها تنظر إلى بعض القلائد الذهبية  و طلبت من صفاء أن تختار واحدة لها…فقد أراد والديها أن يشتريا لها هدية في عيد ميلادها الرابع عشر…نظرت صفاء إلى ما أمامها من قلائد ذهبية..و لم تجد في نفسها أي رغبة تدفعها إلى الاختيار…كان منظر ذلك العجوز ما زال يشغل بالها..استغربت والدتها لصمتها و قطعت هذا الصمت بقولها: صفاء..ما بك؟!..لن نقضي كل اليوم في هذا المحل…هيا حبيبتي اختاري أي قطعة تعجبك…و لا تهتمي للثمن…فأي قطعة تعجبك سأشتريها لك..فأجابتها صفاء و هي لا تبدي أي اهتمام: ممممم..كل القطع جميلة ..فلتختاري لي أيا منها ..أنا أثق بذوقك أمي..أخذت الأم واحدة من القلائد ووضعتها في عنق صفاء..و قالت لابنتها بكل فخر: تبدين كأميرة من الأميرات…يا لحسنك و جمالك..كل عام و أنت بألف خير…أما صفاء نظرت إلى المرآة التي أمامها فلم ترى إلا ذلك  المنظر نفسه الذي رأته في الخارج..

   في اليوم التالي..كانت حفلة عيد ميلاد صفاء..دخلت الأم إلى غرفتها…لتجد صفاء جالسة على سريرها  تتأمل في القلادة التي اشترتها بالأمس..سألتها أمها عن سبب هذا الوضع الذي هي فيه و لماذا لم ترتدي ثياب الحفلة حتى الآن ، و قد اقترب موعد وصول الضيف..نظرت صفاء إلى أمها..و أشارت إلى القلادة بيدها و قالت: هذا هو السبب..هذه القلادة هي السبب!!..بدت علامات الاستغراب على وجه الأم و هي تقول: القلادة…معقول..ألم تعجبك؟!..لقد اخترتها لك من أغلى القطع الموجودة في المحل…معقول لم تعجبك؟؟!!..حركت صفاء وجهها بالنفي و قالت: لا يا أمي..ليس هذا ما قصدته..و لكني رأيت منظرا بالأمس عندما ذهبنا لشراء القلادة و هذا المنظر أزعجني و ضايقني و جعلني أشعر بحزن كبير..بالرغم من أن اليوم هو يوم مولدي…حتى أنني لا أشعر بأي رغبة في الاحتفال..صدمت أمها لهذا القول…كيف لا تحضرين الاحتفال..و ماذا عن التحضيرات التي كلفتنا الكثير الكثير..وماذا عن الضيوف المهمين…من الصعب إلغاء كل شيء الآن…سألتها أمها عن هذا المنظر الذي أزعجها..فأخبرتها صفاء عن وضع ذلك الرجل العجوز..و كيف أنها تتمنى لو يتغير حاله…وأن يتوقف عن هذا العمل الذي لا يقوى عليه…كم تتمنى أن يحصل على المال الذي يغنيه عن هذا العمل و يوفر له كل ما يحتاجه من مأوى و مأكل و مشرب..تنهدت الأم بارتياح…فقد كانت تخشى أن يكون الأمر أكبر من ذلك…و ابتسمت ابتسامة ساخرة..و قالت لصفاء: يا لابنتي الجميلة…لقد كبرت عزيزتي…ما أروعك..حسنا ما رأيك أن نتفق فيما بيننا أن تنسي ذلك الأمر الآن ..و أن تقوم و ترتدي ثيابك التي أحضرتها خصيصا لك من باريس لترتديها في هذه المناسبة…و أن تضعي هذه القلادة الجميلة على عنقك..و أن تخرجي للسلام عل الضيوف و نحتفل جميعا بهذه المناسبة…و سأطلب من والدك أن يساعد هذا الرجل العجوز و أن يقدم له العون و المساعدة…ما هو رأيك؟؟؟..قفزت صفاء من سريرها و قالت بكل سرور و فرح: حقا يا أمي…أجابتها أمها: طبعا عزيزتي…فأنت ابنتنا الغالية..و لا يرضينا أن تنزعجي أو تتضايقي من أي شيء مهما كان…عانقت صفاء  أمها و بدت ملامح الارتياح و السعادة على وجهها

   في اليوم الذي يلي الاحتفال..دخلت صفاء إلى المنزل مع والدها و هي تقفز من الفرح..و أقبلت على أمها بسعادة و عانقتها و قبلتها..و قالت و هي تنظر إلى كل من أمها و أبيها..أنتما أروع أب و أم في هذه الدنيا…و صعدت إلى غرفتها و السعادة تغمرها ..

   نظرت أمها إلى أبيها باستغراب و قالت له: ما الذي حدث…ماذا فعلت؟؟!!…ابتسم الأب و قال: لا شيء…كل ما هناك…أنني وعدت صفاء أنني سأساعد هذا الرجل …و أقف إلى جانبه..و كانت أخبرتني أنها لن ترتاح إلا بعد أن تطمئن أن هذا الرجل بأحسن حال…يا لابنتنا الشقية..تريد أن تتأكد من صحة كلامي…فعلا لقد كبرت..فأخذتها اليوم إلى ذاك المكان الذي كان يجلس فيه هذا الرجل بجانب محل المجوهرات…و لم يكن جالسا كعادته هناك..فأخبرتها أنه لم يعد بحاجة إلى العمل بعد أن قدمت له المساعدة و المال…ولذلك فإنه غير موجود..فلقد استغنى عن تلك القطعة من الكرتون و كل ما عليها من بضاعة رخيصة…وهذا ما أسعد ابنتنا و أبهجها..نظرت إليه الأم باستغراب و سألته: و هل فعلا قمت بمساعدة هذا الرجل..ابتسم الأب ابتسامة ساخرة و قال: بل ساعدت ابنتنا..كل ما قمت به أنني طلبت من صاحب محل المجوهرات أن يقدم شكوى عن هذا الرجل  لموظفي البلدية بأنه يقوم بإزعاج المارة و زوار المحل.. !!!!!

26-11-2003