.

 

 

لحظات رائعة في أفضل بقاع الأرض

 

 

  بفضل من الله...خرجت - ومعي من وقع عليهم الاختيار الرباني- لأداء مناسك العمرة... قاصدين البيت العتيق..تلبية لأمر الله، واتباعا لسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام... تاركين كل ما نحبه في هذه الدنيا وراء ظهورنا.. قاصدين الله عز وجل.. طالبين رضاه ورحمته ومغفرته...

  ما أحلاها وأروعها من أيام..تلك الأيام التي تقضيها في مدينة رسول الله..و بجوار بيت الله الحرام...وكم تمر بسرعة..ولذلك سميتها لحظات..لأنها تمر كالبرق.. وبعد أن تعود إلى بلدك تشعر وكأنك كنت تحلم حلما رائعا ما كنت ترجو أن تفيق منه أبداً..وتبدأ تحن وتشتاق إلى تلك الديار المقدسة وتتمنى أن تعود لزيارتها في أقرب فرصة ممكنة.

لا أريد أن أطيل في حديثي عن الرحلة والزيارات التي قمنا بها، لكن هناك لحظات لا بد من التوقف عندها:

** تتجرد من جميع مظاهر الزينة في الميقات..وتغتسل وتتطهر..ومِن ثُمّ تُحرِم قائلاً: ( لبيك اللهم عمرة )..ويبدأ الكل بالتلبية بصوت واحد..(لبيك اللهم لبيك..لبيك لا شريك لك لبيك.. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. لبيك )..الكل يعلن السمع والطاعة لرب العالمين.. يا الله..ها نحن نسير مسرعين إلى بيتك الحرام..تهوي القلوب حباً لك..وتشتاق لحرمك.. تركنا يارب بيوتنا وأهلنا وجئنا تلبية لأمرك..واتباعا لسنة نبيك..رجاؤنا يا رب رضاك وأن تهدينا إلى سبيل الحق..يا رب فارقنا أحبابنا ..وغادرنا بلادنا..وقطعنا الجبال والفيافي.. وجئناك ملبين سائلين عفوك ورضاك وأن تفتح لنا أبواب رحمتك..

** يسودك شعور بالرهبة والخشوع في أول لحظة ترى فيها أمامك الكعبة تتجلى بقدسيتها وكسوتها..هذا البيت الممتد من زمن أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، فتسأل الله عز وجل أن يزيد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة..وعندما تطوف حول الكعبة..ترى الأيدي مرفوعة لله سبحانه، وتسمع دوي الطائفين..أصوات وأصوات تتداخل معا حتى لا تفهم ولا تميز أيا منها.. الكل يطلب..والكل يرجو..والكل يسأل رب العالمين..وتفيض العيون بالدموع خشوعا وتضرعا وذلاً..وفي هذه اللحظات تستذكر أنبياء الله ابراهيم واسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان أسس وجدر الكعبة ويدعوان الله في خشوع (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )..

** في الطواف حول الكعبة، تجعل الكعبة إلى يسارك وبالتالي يكون اتجاه الطواف من اليمين إلى اليسار أي عكس عقارب الساعة وهو مطابق للفطرة، فالإلكترونات في الذرة، وكواكب المجموعة الشمسية، والشمس بكواكبها كلها تدور بعكس عقارب الساعة، سبحانك ربنا لا علم لنا إلا ما علمتنا..لك الحمد ولك الشكر.

** لاستلام الحجر الأسود فضل عظيم وتقبيله سنة، فهو حجر من الجنة، يبعثه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بحق، قال رسول الله: " نزل الحجر الاسود من الجنة وهو اشد بياضاً من اللبن فسوّدته خطايا بني آدم" ..ولا بد أن تصلي في حِْجر اسماعيل عليه السلام وهو جزء من الكعبة المشرفة.. وهو المكان الذي كان يمكث فيه اسماعيل وهو طفل  أثناء سعي والدته هاجر عليهما السلام بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء..وكذلك تصلي خلف مقام ابراهيم عليه السلام وهو الحجر الذي كان يقف عليه ابراهيم أثناء بناء الكعبة ويرتفع به كلما ارتفع ببناء الكعبة، قال تعالى: (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).. 

** أثناء سعيك ما بين الصفا والمروة..لا بد أن يتبادر إلى ذهنك أمنا هاجر عليها السلام..ولك أن تتخيل عنائها وتعبها وهي تقطع المسافة بين الصفا والمروة جيئة وذهابا سبع مرات..أنت الآن تسعى في نفس المكان وحولك الآلاف من الناس ومن فوقك سقف يحميك من أشعة الشمس..أما هي ..فوحدها في هذه الصحراء...تحت أشعة الشمس الحارقة..تسمع بكاء ابنها..وينفطر قلبها لحاله..ومع ذلك لا تفقد الأمل..حتى يُفجّر الله لها ماء زمزم...لتشرب هي وابنها..ويشرب منه آلاف المسلمين حتى يومنا هذا وحتى يرث الله الأرض ومن عليها..نسأل الله أن يجمعنا بها في الجنة..اللهم آمين...

** وأنت تشرب ماء زمزم..تبهرك هذه المعجزة العظيمة وتحيرك كما حيرت الكثير من العلماء.. ولكنها معجزة من العلي القادر على كل شيء  (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ).. انفجر ماء زمزم قبل أكثر من 4000 سنة أمام السيدة هاجر، فقالت: (زم زم) طلباً بأن يخفف من تدفق مياهه..وهذا الماء الذي لا ينضب أبداً يحتوي على كل العناصر الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، قال عنه رسول الله: " إنها طعام طُعم، وشفاء سُقم "..وكذلك جاء في الحديث الشريف: "ماء زمزم لما شرب له  " بشرط الإيمان والقناعة بذلك.  

** لا بد أن تحرص على أداء كل الصلوات المكتوبة في المسجد النبوي والمسجد الحرام..كيف لا والصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة.. والصلاة في المسجد النبوي تعدل ألف صلاة..وفي المسجد تلتقي بمسلمين من شتى بقاع الأرض.. عرب وأجانب.. تسمع العديد من اللهجات.. وترى الكثير من الأجناس..في تلك اللحظات كان يخطر على بالي المسجد الأقصى.. الذي حُرِمَ الكثير الكثير من المسلمين الصلاة فيه... دعوت الله أن يفك أسره وأن يجتمع فيه المصلين من مشارق الأرض ومغاربها..وأن يتوافد الناس للصلاة فيه كما يتوافدون الى الصلاة في المسجد الحرام ومسجد رسول الله، قال رسول الله: " لا تشد الرّحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ".

 

** عند وصولك إلى المدينة المنوّرة.. تتجه للسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد بن عبدالله..فإذا بالآلاف تصطف لتأخذ دورها للدخول، فتدخل الروضة الشريفة لتصلي فيها ركعتين لله عز وجلّ، فتشعر بقربك من رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام..وأنك في روضة من رياض الجنة، قال رسول الله: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ".. ومن ثم تقوم بالسلام على صاحبيه وخليفتيه أبو بكر الصديق ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب الفاروق أبو الفقراء والارامل والأيتام..اللهم اجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيراً.. وكذلك تتجه إلى البقيع للسلام على صحابة رسول الله.. الذين رفع الله بهم الدين..وماتوا من أجله..رضي الله عنهم اجمعين..

** وأثناء تواجدك في المدينة المنوّرة لا بد أن تذهب للصلاة في مسجد قباء..أول مسجد بني في الإسلام.. الذي تعدل الصلاة فيه أجر عمرة لقول رسول الله: "من تطهر في بيته، ثم اتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة"...

** ومن الزيارات التي تقوم بها أيضا، زيارة جبل أحد الذي قال عنه رسول الله " هذا جبل يحبنا ونحبه".. وترى جبل الرماة وتستذكر غزوة أحد وما كان فيها من الدروس والعبر للمسلمين،وتقوم بالسلام على سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب والسلام على شهداء أحد.. نسأل الله لنا ولهم العافية..

  يا رب لك الحمد أن سيّرتنا إلى بِلادِك، حتى بلّغتنا بِنعمتك إلى بيتك وأعنتنا على أداء عباداتنا..فان كنت رضيت عنا فازدد عنا رضا..وتقبل منا..وأهدنا وسدد خطانا..وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.

 15-8-2007