كتيب :40  قاعدة في حل المشاكل

 

 عبد الملك القاسم


بسم الله الرحمن الرحيم

 المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين..

وبعد:

في هذه الدنيا سهام المصائب مشرعة، ورماح البلاء معدة مرسلة، فإننا في دار ابتلاء وامتحان، ونكد وأحزان، وهموم وغموم، تطرقنا حينا في فقد حبيب أو ضياع مال أو سوء معاملة أو فراق إخوان أو شجار أبناء وغيرها!

والبلاء الذي يصيب العبد لا يخرج عن أربعة أقسام: إما أن يكون في نفسه، أو في ماله، أو في عرضه، أو في أهله ومن يحب. والناس مشتركون في حصولها من مسلم وكافر وبر وفاجر كما هو مشاهد.

ونظرا لفجاءة تلك المشاكل وعدم الاستعداد لها أحيانا، جعلت قواعد أساسية في علاجها، وهي إطار عام لكل الناس، وكل حالة بحسبها.

أسأل الله العون والتوفيق.

 

المدخل

في هذه الدنيا، الكل يبحث عن السعادة ويسعى إليها المسلم والكافر والبر والفاجر، قال تعالى عن الكفار وطلبهم السعادة: }وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ [البقرة: 135] لأن ظنهم أن من اتبع اليهودية أو النصرانية فقد اهتدى وسعد بل الحيوانات تبحث عن السعادة فإذا أصابتها الشمس بحرارتها في نهار مشمس، تركت مكانها وقامت لتبحث عن شجرة أو جدار لتسعد بالظل تحته.

وحال الإنسان في هذه الدنيا، كما وصفها الله عز وجل بقوله: }لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ{ [البلد: 4] قال ابن كثير رحمه الله: يكابد أمرا من أمر الدنيا، وأمرا من أمر الآخرة ، وفي رواية يكابد مضايق الدنيا وشدائد الآخرة.

فإذا نزلت المصيبة وادلهمت الخطوب وضاقت الدروب فإن علاج المشكلات قد يحتاج إلى زمن وإلى جهد ورأي، وسوف أذكر بعض النقاط الإيجابية التي تساعد على حل المشاكل وتخفيف وقعها ولربما إنهائها ولا يظن أن من قرأ هذه النقاط يجد مباشرة حلاً كاملاً ينهي مشكلته في اللحظة، بل الحال مثل عمارة كبيرة تصدعت أو سقطت ونحاول جميعا ترميمها وإخراج من فيها، والمحافظة على ما بقي سليمًا ثم معاودة البناء وهكذا.. والبناء ليس كالهدم فالأمر يحتاج إلى جهد وصبر وطول نفس حتى نقضي على المشكلة بإذن الله عز وجل.

 

1- الاسترجاع عند المصيبة

إذا نزلت بالمرء المصيبة؛ فإن أول علاج لحلها أن يسترجع ويقول: }إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{ والاسترجاع من الأدب النبوي العظيم، وهو ينزل على النفس الطمأنينة والسكينة، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها، قال سمعت رسول الله r يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمر الله: }إِنَّا لِلهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{ اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها..."

وتأمل في حال أم سلمة رضي الله عنها وقد استرجعت عند موت أبي سلمة، فعوضها الله عز وجل في مصيبتها، وأكرمها بزواج النبي r منها، وقد يكون الخلف في الدنيا، أو في الآخرة، أو بهما معا.

 2- التأني وعدم العجلة

كثيرا ما تقع مشاكل بين الأسر أو الأزواج أو المعارف والأصحاب؛ ولهذا إذا وقعت المشكلة، فإن الجزء الأكبر والعامل المساعد في حلها: هو التأني والتفكير في أمرها وعدم العجلة في اتخاذ القرار.

والقرار بيدك، فإن كان لك رأي اليوم فهو لك غدا، ولن يضيرك التأخير شيئا بما ربما تغير رأيك غدا وهكذا، خاصة مع هدوء النفس وانطفاء غضبها وهيجانها، وقد قال r وهو يخاطب عائشة رضي الله عنها: "عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" [رواه مسلم] والخطاب من بعد أم المؤمنين يتوجه لسائر المؤمنين.

وما رأينا الحدة والغضب تأتي بخير، ولو حدثتك المحاكم عن نتائج لحظات الغضب، لعجبت من كثرة من اتخذه مطية: فتفرق الأبناء، وضاعت العشرة وامتلأت السجون.. وكل ذلك بسبب لحظة غضب.

فما أجمل الرأي وقد زانه الرفق وجملته الأناة.

 3- الصبر

ما إن يطرق سمعك كلمة المصيبة، إلا ويأتي في الكفة الأخرى كلمة الصبر، ولولا ذلك لتفاقمت المشاكل ودب اليأس والقنوط، ولكن الله عزوجل رحمة منه بعباده سخر لهم أمر معالجة المصائب بالصبر.

والصبر مقام من مقامات الدين ومنزل من منازل السالكين والصبر كنز من كنوز الجنة، وقد أعد الله عز وجل للصابرين أجرا عظيما }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{ [الزمر: 10].

قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يكال لهم، وإنما يغرف لهم غرفا.

وقال r: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيرا له" [رواه مسلم] والصبر هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.

ولا يظن أن المصائب في الأمور العظيمة كالموت والطلاق مثلا، بل كل ما أهمك فهو مصيبة؛ انقطع شسع نعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاسترجع وقال كل ما ساءك مصيبة.

وإذا لم يصبر المسلم ويحتسب مضت الأيام بالمصيبة وفاته الأجر والمثوبة.

وأعظم من الصبر منزلة الرضا بما قدر الله وقضى، فارض بقضاء الله وقدره: }قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا{
[التوبة: 51].

قال ابن رجب رحمه الله: والفرق بين الرضا والصبر.

أن الصبر: كفر النفس وحبسها عن السخط مع وجود الألم وتمني زوال ذلك، وكف الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع.

والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء؛ وترك تمني زوال الألم وإن وجد الإحساس بالألم لكن الرضا يخففه ما يباشر القلب من روح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرضا فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية.

 قال ابن الجوزي رحمه الله: ولولا أن الدنيا دار ابتلاء لم تعتور فيها الأمراض والأكدار، ولم يضق العيش فيها على الأنبياء والأخيار.

فآدم يعاني من المحن إلى أن خرج من الدنيا.

ونوح بكى ثلاثمائة عام.

وإبراهيم: يكابد النار وذبح الولد.

ويعقوب بكى حتى ذهب بصره.

وموسى يقاسي من فرعون.. ويلقى من قومه المحن.

وعيسى ابن مريم لا مأوى له، إلا البراري في العيش الضنك.

ومحمد صلى الله عليه وعليهم يصابر الفقر، وقتل عمه حمزة وهو من أحب أقربائه إليه ونفور قومه عنه.

وغير هؤلاء من الأنبياء والأولياء مما يطول ذكره، ولو خلقت الدنيا للذة لم يكن حظ للمؤمن منها.

وصدق الشاعر:

طبعت على كدر، وأنت تريدها

 

 

صفوا من الأقذاء والأكدار

 

والصبر هنا لا يتوقف على تحمل المصيبة وتجرع آلامها وغصصها، بل الصبر على معالجتها وإعادة ترتيب الأمور، فلربما كان صبر المعالجة: دعوة إلى الله عز وجل ولربما كان صبر المعالجة: تربية وحسن عشرة، ولربما كان: عودة زوج واستقامته وهكذا.

4- حسن الظن

لا بد من حسن الظن بالله عز وجل وأن الفرج قريب، وأن مع العسر يسرا، وكذلك الظن بالشخص المقابل أو صاحب المشكلة، فقد يكون لديه تصور معين، أو فهم خاطئ، أو بلغه أمر غير صحيح، ولهذا إحسان الظن بالمسلم مما يريح النفس، وتلمس الأعذار مما يهون المصيبة، ويعين على حلها بروية وحسن تفكير، وبعض المشاكل قد يبني على سوء الظن، بناء على أوهام وخيالات أو تصور قاصر.

وأذكر أن رجلا كان لديه مشكلة مع آخر، واستشاط غضبا وبدأ يهدد أبناء خصمه وزوجته، وكان الرجل مسافرا وأرسل قبل مغادرته ورقة بها اعتذار وطلب عفو ومسامحة وتنازل عن حقه، ولكن حامل الورقة هذه تأخر في إيصالها حتى ثارت ثائرة الخصم.

فانظر إلى ما أحدث الرجل من كلام غير طيب في حق صاحبه، ورفع صوته وتعداد معايبه هل يا ترى تعود الصحبة كما كانت؟

وتأمل في واقعة أخرى: لما تأيمت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما عرضها أبوها على أبي بكر فلم يجبه بشيء، وعرضها على عثمان فقال: بدا لي ألا أتزوج اليوم فوجد عليهما وأنكر (أي دخله حزن وكدر) وشكا حاله إلى النبي r فقال: "يتزوج حفصة من هو خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة" ثم خطبها فزوجه عمر، وزوج رسول الله عثمان بابنته رقية بعد وفاة أختها.

ولما أن زوجها عمر، لقيه أبو بكر فاعتذر وقال: لا تجد علي، فإن رسول الله r كان قد ذكر حفصة فلم أكن لأفشي سره، ولو تركها لتزوجتها...

 

 

5- كتمانها وعدم التحدث بها

من توجيه النبي r: "من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة" وإذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها فكتمانها من نعم الله عز وجل الخفية، وهذا سر من أسرار الرضا وعدم التضجر والانزعاج.

قال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة ما ذكرتها لأحد.

ولما نزل الماء في إحدى عيني عطاء رحمه الله مكث عشرين سنة، لا يعلم به أهله.

قال شقيق البلخي: من شكا مصيبة به إلى غير الله، لم يجد في قلبه لطاعة الله حلاوة أبدا.

وقال r: "من إجلال الله، ومعرفة حقه: أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك".

والملاحظ أن الإنسان إذا زالت عنه المشكلة، ندم أنه أخبر فلانا بها، أو أنها أخبرت فلانة بها، فإذا كان الأمر كذلك فليكتم الإنسان مشاكله ولا يظهرها ، ومن أسوأ المشاكل ظهورا، المشاكل العائلية فتجد الزوجة إذا وقع بينها وبين زوجها أمر من الأمور، اشتكت إلى أهلها وذمت الزوج بأمور لا دخل لها في المشكلة، وعددت معايبه القديمة والجديدة حتى يكرهه أهلها وإخوانها، وعندئذ تكون حبال الوصال مقطوعة، والنفرة حاصلة حتى وإن وجد حل للمشكلة، لكن تبقى تلك الترسبات التي نطق بها اللسان تؤثر على مستقبل العلاقة مع الزوج.


 

6- أخذها على مقدارها وعدم تكبيرها

بعض الناس إذا نزلت به قضية ، أو ألمت به مصيبة أظلمت الدنيا في عينه وظن أنها نهاية الدنيا، وقد يكره الإنسان أمرا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا: }وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ{ [البقرة: 216].

وأذكر أنا شابا مصريا أجريت معه مقابلة، وقد حدث في قريتهم قلاقل وفتن وقتل، قال: رحمني الله أن سجنت قبل الحادثة بأيام، وخرجت بعد أسبوع سليما معافى فإذا بي أجد من زملائي حالا عجيبة، فهذا قد مات، وذاك سجن سجنا طويلا، وآخر قد شل جسمه، وآخر..

فحمدت الله عز وجل وعلمت أن السجن كان أرحم لي مما جرى لغيري لو كنت معهم.

وحكي عن شريح أنه قال: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات، وأشكره، إذ لم تكن أعظم مما هي وإذ رزقني الله الصبر عليها، وإذ وفقني إلى الاسترجاع لما أرجوه فيه من الثواب. وإذ لم يجعلها في ديني.

 7- الدفع بالتي هي أحسن

جاء رجل إلى النبي r فقال أوصني قال: "لا تغضب" رددها مرارا، وقال r: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" متفق عليه.

والغضب يحجب التفكير السليم ويقود إلى تفكير أهوج عاصف تتحكم فيه العاطفة، ولهذا يحسن الهدوء والدفع بالتي هي أحسن وعدم تصعيد المواقف ، وكم من امرأة عاقلة عاملت زوجها المغضب بالإحسان والهدوء فإذا به يرجع إليها.

وتجارب الناس في هذا كثيرة، ولهذا أمر الله عز وجل نبيه الكريم r بقوله: }ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ{ [فصلت: 34].

وبعض الناس ممن تخشى عداوتهم من الزملاء في العمل أو من الأقارب يحسن أن يتقدم الإنسان إليهم بهدايا، ويلين لهم الحديث اتقاء لشرهم، وقبل أن تتحول عداواتهم إلى فعل، مثل : تأليب المدير على موظف لديه، أو الزوج على زوجته أو غير ذلك، وهذا حل وقائي قد يفيد في تخفيف حدة التوتر.

 

 8- ينظر الإنسان في مدى نهاية هذه المشكلة

حتى يرى أنها ليست بذاك...

المشاكل تتفاوت والقلوب أيضا تتفاوت قوة وتحملا وصبرا وجلدا، فما يكون عندك مشكلة قد لا يكون عند غيرك مشكلة، ولهذا حتى يكون التصور واضحا للمشكلة، لينظر المرء إلى نهاية المصيبة، وأعلى ضرر يصيبه منها، فإذا طلقت الزوجة فقد يرزقها الله برجل خير من الأول، وإذا مات الأب أو الأم، فإن هذه مزرعة الآخرة فليستعد وليحمد الله أن أمهله ليستدرك، وهكذا تعطي كل مشكلة مقدارها وعدم تضخيمها وتكبيرها، وكأنها نهاية الدنيا وليس بعدها إلا الخراب والدمار.

ولو تأمل صاحب المشكلة في مشاكل وأحداث مرت فيما سبق، وكيف فرجت وانتهت؟ لعلم أن الأيام أخذت دورتها، ونسي تلك المصائب وكأنها الآن لم تكن.

 

 9- كثرة الاستغفار

الالتجاء إلى الله عز وجل وطلب العون والتوفيق من أعظم أسباب انفراج ضيق الصدر وحل الأمور، ومن فوائد المصائب لمن ابتلاه الله عز وجل بذلك انكساره والتجاؤه إلى ربه يدعوه ويتذلل بين يديه، ومن صور الالتجاء إلى عز وجل كثرة الاستغفار فقد قال r: "من أكثر من الاستغفار، جعل الله عز وجل له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب" [رواه أبو داود].

ومن نعم الله عز وجل علينا أن حركة اللسان من أخف حركات الجسم، ولا تكلف النفس مشقة وجهدا.

 

 10- الدعاء بالأدعية المأثورة

علمنا الرسول r عند نزول المصائب وحلول المشاكل أدعية لذهاب الهموم والغموم، فقد كان إذا كان كربه أمر قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث".

وفي الحديث الصحيح الآخر: كان إذا نزل به هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث ، الله ربي لا أشرك به" [صحيح الجامع: 4791].

وفي دعاء الهم والغم الحديث العظيم: "اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي" [رواه الإمام أحمد].

وفي دعاء قضاء الدين ما ورد عن النبي r: "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك" [رواه الترمذي].

وقال r: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال" [رواه مسلم: 4/ 1729].

وأيضا دعاء من استصعب عليه أمر: "اللهم لا سهل، إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا" [رواه أبو داود].

والدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل، "فلا يرد القضاء إلا الدعاء" [صحيح الجامع: 7564].

 

 11- التوكل على الله عز وجل

من نعم الله عز وجل حين نزول البلاء والمصائب، أن نهرع إلى طاعته وعبادته ونجد لذة حين دعائه وطلب تيسير الأمور وتسهيلها، وأعظم الطاعات والقربات منزلة منزلة التوكل على الله عز وجل، وتفويض الأمر إليه وفي التوكل ثبات نفس وشجاعة قلب وطمأنينة وراحة والله عز وجل يحب أصحاب هذه الصفة العظيمة قال تعالى: }إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{ [آل عمران: 159] فإن المحبوب لا يعذب ولا يبعد ولا يحجب

وقال تعالى: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ [الطلاق: 3] فيه دليل على فضل التوكل، وأنه أعظم الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار.

والله عز وجل يدبر الأمر ويصرفه كيف يشاء؛ بيده مقاليد الأمور }يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ{ [يونس: 3].

وليوقن أن ما يفعله من سعي لحل مشاكله، إنما هي أسباب وأدوات وأن المصرف لهذا الكون هو الله عز وجل فما شاء كان وما لمن يشأ لم يكن، وتأمل في هذا الحديث العظيم فقد قال r: ".. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" [رواه الترمذي].

 

 12- الإحسان إلى الخلق

بالقول والفعل وأنواع المعروف

من الأسباب التي تزيل الهموم والغموم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف قال تعالى: }لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا{ [النساء: 114].

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: فأخبر تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه، والخير يجلب الخير ويدفع الشر، وأن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجرا عظيما، ومن جملة الأجر العظيم، زوال الهم والغم والأكدار ونحوها.

وقال الشيخ رحمه الله: عنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق.

 

 13- الإكثار من ذكر الله عز وجل

من الأسباب التي تشرح الصدر وتزيل الهم خاصة عند نزول المصائب الإكثار من ذكر الله عز وجل في كل وقت وحين، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح الصدر وطمأنينته: }أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].

كقول: }حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ [آل عمران: 173] قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد r حين قيل له: }إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ{ [رواه البخاري] و"لا حول ولا قوة إلا بالله".

فلذكر الله أثر عظيم في حصول المطلوب ، لخاصيته ولما يرجوه العبد في ثوابه وأجره.

 

 14- عدم اللجوء إلى أمور محرمة

إذا أصابت المرء مصيبة وعلم المتسبب بها سواء من طلاق أو فراق أو غيرها، فقد يفكر في حلول لهذا الأمر الجديد الذي وقع، وقد تكون الطرق صعبة ومغلقة مع ضعف وخوف، فيساور البعض نية القيام بأعمال لا تجوز مثل الذهاب إلى السحرة والكهان والعرافين، وقد يتشفى البعض برد الضرر كما يظن إلى صاحبه بأن يفعل له السحرة عملا يضره وينكد عليه حياته، ردا على فعلته، وهذا لا يجوز.

أما أنت يا من وقعت عليه المصيبة، فأجرك على الله، ولا تفسد حياتك بمعصية الله عز وجل من سحر أو أذية أو غير ذلك.

 

 15- وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم

نظر العبد محدود وعلمه قاصر، وما يراه اليوم مصيبة وبلية قد يكون غدا منحة وعطية قال تعالى: }وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{ [البقرة: 216].

وفي هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد، فإذا علم العبد أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن تأتيه المضرة من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة لعدم علمه بالعواقب، فإن الله جل وعلا يعلم منها ما لا يعلمه العبد.

وكم من امرأة طلقت وكان طلاقها خيرا لها: أجرا ومثوبة وصبرا واحتسابا وعبادة وقربة ، ولربما جاءها من هو خير من الأول، وكم من أب ظهر له ما يكدر خاطره من أولاده فكان هذا الأمر بداية مراجعة وتصحيح لأمر التربية فكانت خيرا له، وكم من امرئ جرى له ما جرى، فكان ذلك عاجلة إلى حزن، وآجلة إلى فرح وسرور.

 

 16- تذكر الموت والقبر

والحساب والصراط وأهوال الآخرة

محاسبة النفس غفل عنها غالب الناس اليوم، وإذا نزلت المصيبة وتوجه المرء إلى الله عز وجل بقلبه علم أنه فرط في هذا الجانب.. والعاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جدا، وإذا عظمت المصائب وكبرت فإنها صغيرة جدا عند مصيبة الموت وسكراته، فإن ذكر الموت: يهون الأمور ويزهد في الدنيا ويهون مصائبها ويجعل المرء يستشعر ما يصيبه من الأهوال والفزعات في يوم العرض على الله عز وجل:

والمؤمنون هم أصبر الناس على البلاء، وأثبتهم في الشدائد، وأرضاهم نفسا في الملمات: عرفوا قصر عمر الدنيا بالنسبة لعمر الخلود، فلم يطمعوا أن تكون دنياهم جنة قبل الجنة...

 

 17- التماس رضا الله عز وجل

وهذا الأمر عظيم، ويغفل عنه البعض، فقد تأتي بعض الحلول وفيها أمر مشتبه أو مكروه، أو هي أصلا لا تجوز فيقدم رضا مديره المباشر مثلا في أمر محرم أو ترضى الزوجة لزوجها أمرا محرما فتسخط الله عز وجل لرضا ابن آدم وقد قال r: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس" [رواه الترمذي].

ولهذا يجب الحرص على أن تكون الحلول والآراء ليس فيها حرام، سواء من ظلم العبد نفسه أو من التعدي على محارم الله، أو ظلم غيره وبخسهم حقوقهم فما عرفت السعادة في معصية الله عزوجل.

 18- البعد من إدخال الجهات الرسمية

كالمحاكم والشرط قدر المستطاع

مشاكل الإنسان متنوعة، والمعاملة الطيبة والصبر والتأني كفيلة بحل الأمور بقدر، ولهذا يؤجل النظر في الترافع إلى المحاكم والشرط قدر المستطاع، حتى لا تشح الأنفس وتضيق الصدور وتزيد الشحناء، ولربما تكبر المشكلة ويستطير شررها ويطول أمدها ولتجعل الجهات الرسمية آخر المطاف، بعد إدخال الوسطاء والتذكير بالله عز وجل، وبعض القضايا قد يكون حلها عن طريق الشرع فيه حفظ للحقوق؛ خاصة إذا كان الطرف الآخر مكابرا أو جاهلا معاندا أو حاقدا وحاسدا.

 

 19- طيب المقال وحسن الأدب في الأخذ والعطاء

غالب المشاكل مع حسن المعالجة، تخف أحداثها وتهبط ثورتها، وينظر كل طرف فيها بعين الواقع مع إظهار الحسنات والتغافل عن السلبيات، وهذا الجانب مطلوب بين الأزواج، وفي علاقات الأقارب والمعارف والجيران، لأنها علاقة طويلة مستمرة لا تخدش بسوء فعال ولا بكلمة جارحة، بل يجب المحافظة عليها، وتأمل في قول الله عز وجل: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ [آل عمران: 134] فتدرج الأمر من كظم الغيظ إلى العفو بل وصعد إلى الإحسان، ومن فعل واحدة من هذه الخصال الحميدة وجد أثرا عظيما فكيف بمن وفقه الله تعالى إلى الأخذ بها جميعا؟!

 

 20- زيادة المعلومات لحل المشكلة

إذا وقع الفأس في الرأس كما يقال يسعى المرء إلى إصلاح ما فات وذهب، وخير أمر يزيد علمه وعمله؛ اللجوء إلى كتاب الله وسنة نبيه وr وفي الكتب الإسلامية والأشرطة النافعة دواء ناجع بإذن الله في حل كثير من المشكلات، ومحلات التسجيلات والمكتبات ولله الحمد مليئة بمثل ذلك في مواضيع شتى وعناوين مختلفة، مثل المعاملات الزوجية أو تربية الأبناء أو معاملة الأقارب وغيرها كثير.

 

 31- الدعاء وكثرة التضرع إلى الله عز وجل

فما أصابنا من هموم وغموم إلا بسبب الذنوب، قال عز وجل: }فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ{ [العنكبوت: 40].

وقال تعالى: }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{ [الشورى: 30].

وهذا محمد بن سيرين يقول لما ركبه الدين واغتم لذلك: إني لأعرف هذا الغم بذنب أحدثته، منذ أربعين سنة.

كم فرطنا في جنب الله، وكم اقترفنا من الذنوب والآثام ولكن الله رحيم بنا يعفو عن كثير، ولتكن حالات الضعف حين نزول المصائب باب عودة وأوبة فإن الله عز وجل يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة".

 

 22- عدم المبالاة بأذية الناس

المسلم يعرف أن أذية الناس وخصوصا الأقوال السيئة والتهم الباطلة، لا تضره كثيرا، بل تضرهم خاصة إذا علمت كلاما جميلا للإمام الشافعي، رحمه الله حيث قال: من ظن أنه يسلم من كلام الناس فهو مجنون، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا عن محمد r: ساحر ومجنون فما ظنك بمن هو دونهما؟

فهذه منزلة الربوبية ولم تسلم، ومنزلة النبوة، فما ظنك بحديث الناس عنك، وعليك بالدعاء: "اللهم اكفينهم بما شئت".

ومن حفظ لسانه أكرمه الله عز وجل بالأجر والمثوبة خاصة ما كان فيها من سخرية أو استهزاء أو هتك أسرار أو غير ذلك، وأبشر بحسنات تهدى إليك وأنت غافل لا تعلم عنها شيئا، إلا يوم تنشر الصحف في ذلك الموقف العظيم، قال r في توجيه عظيم: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيبتك" [رواه الترمذي].


 

23- الفزع إلى الصلاة

في الصلاة راحة للنفس وطمأنينة للخاطر وهي من أبواب الاستعانة على نوائب الدنيا ولأوائها قال تعالى: }وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ{ [البقرة: 45].

وكان r يقول: "أرحنا بالصلاة يا بلال".

وفي الصلاة نبث الشكوى والحزن إلى الله عز وجل في السجود، وإظهار الذل له والإنكسار بين يديه فوالله إنها لنعمة عظيمة تتوضأ وتصلي وقد خلي بينك وبين ربك لا حاجز ولا حاجب، إنها نعمة عظيمة في وسط المشاكل والأحزان، سعادة وسرور بمناجاة الرب جل وعلا في خضم هذه الحياة الصعبة.

 

24- أبشر بالأجر العظيم

أعد الله عز وجل الأجر والمثوبة ورفع الدرجات وتكفير السيئات، لمن أصابه هم وغم وحزن ونكد قال عز وجل عن أهل المصائب: }إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ{
[الزمر: 10].

وقال r: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" [متفق عليه].

وحين ضربت أم إبراهيم العابدة دابة فكسرت رجلها فأتاها قوم يعزونها فقالت: لولا مصائب الدنيا، وردنا مفاليس.

وحين انقطع شسع نعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه استرجع وقال: كل ما ساءك مصيبة.

وقال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في حمى ليلة، كفارة ما مضى من الذنوب.

وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم عند قول
النبي r: "ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها، إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" وفي رواية: "إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه خطيئة".

قال: وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين، فإنه قل أن ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير، الخطايا بالأمراض والأسقام ومصائب الدنيا وهمومها، وإن قلت مشقتها.

 25- معرفة أنها ليست بأعظم منها

فالمصائب تتفاوت وكل حالة بقدرها؛ ولكن أعظمها المصيبة في الدين، فهي أعظم مصائب الدنيا، والآخرة، وهي الخسران الذي لا ربح بعده، والحرمان الذي لا طمع معه وتعجب حين تجد امرأة تصيبها الهموم والغموم لأن زوجها تزوج بأخرى؛ وقبل شهور أدخل في منزلها الدش والمنكر، ولم يصبها من الهموم والغموم مثل تزوجه بأخرى، وهو أمر شرعي مباح فسبحان الله العظيم من انتكاس الفطر.

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه

 

 

فما فاته منها فليس بضائر

 

 26- مراعاة نعم الله عز وجل الأخرى

من أعظم ما يهون المصيبة، أن يستشعر الإنسان نعم الله عز وجل عليه فها هو حي يصلي ويستغفر ويصوم، وها هو يمشي على رجلين وغيره مقعد، وها هو له يدان وعينان وغيره مشلول أو كفيف وهكذا.

قال بعض السلف: ذكر النعم يورث الحب لله، ولما رأى رجل قرحة في يد محمد بن واسع فزع منها، قال له: الحمد لله أنها ليست في لساني، ولا على طرف عيني.

جاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقا من حاله ومعاشه واغتماما بذلك، فقال: أيسرك ببصرك مائة ألف؟ قال: لا، قال فبسمعك؟ قال: لا، قال فبلسانك؟ قال: لا، قال: فبعقلك؟ قال: لا، وذكره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفا وأنت تشكو الحاجة.

فإن الإنسان إذا تذكر نعم الله عز وجل في جنب ما نزل به من مصائب، يهون الأمر ويدفعه ذلك إلى شكر المنعم وهوان المصيبة.

 

 27- عند اتخاذ قرار هناك حساب جيد للمسألة

وهي ضم مجموعة من الحلول، ونجعل لكل حل إيجابيات وسلبيات، ويكتب ذلك على ورقة، ولتكن الدرجة (100) تقسم بين الإيجابيات والسلبيات في كل حل، ثم نوازن بين تلك الدرجات ونقلل السلبيات قدر المستطاع لأن أثرها قد يكون مستقبليا، ونخرج بحل مثالي فيه الدرجة الأعلى للإيجابيات.

وأمثل لذلك مثلا أسريا، امرأة حصل بينها وبين زوجها مشكلة وخرجت بعدة حلول منها:

 

الحلول

إيجابيات

سلبيات

1

أن تخرج من بيتها وتذهب

 إلى أهلها

 

70

30

2

أن تخبر عمها مثلا، أو إمام المسجد

 عن طريق زوجته

 

50

50

3

أن تصبر وتستعين على حل المشكلة بأمور أخرى

 

80

20

عند هذا الحل يتضح أن الحل الثالث هو أقل الحلول ضررا عليها فتأخذ به.

 28- إدخال أطراف أخرى في القضية

بعض الأحداث والمشاكل تحتاج إلى إدخال أطراف مهمة في علاج القضية، فمثلا امرأة زوجها لا يصلي في المسجد، من الحلول المطروحة لمعالجة هذا الأمر العظيم أن يتدخل إمام المسجد عن طريق زوجته، في حل مشكلة الزوج الذي لا يصلي، وذلك بأن يزوره ويسلم عليه ويتابعه في أمر الصلاة، وربما كان في تربية الأبناء إدخال بعض الأقارب أو المدرسين وهكذا.

ويتنبه إلى أن من يتم إدخالها في المشكلة يكون الحديث معهم في أصل المشكلة فحسب، بمعنى أن لا يتعدى الحديث إلى أمور أخرى ومشاكل قديمة وهكذا.. بل يذكر الإيجابيات حتى تكون مدخلا وبابا يلج منه الوسيط.

 

29- البحث في أسباب المشكلة

غالب المشاكل لا تولد فجأة بل لها مسببات وعوامل تذكيها حتى تقع، ففي جانب التربية مثلا لا ينحرف الشاب أو الفتاة هكذا في يوم وليلة، بل في تدرج يطول أو يقصر، مع وجود عوامل مساعدة للانحراف، كصديق السوء مثلا أو القنوات أو الهاتف أو غيرها، ولهذا فإن من عوامل علاج المشكلة، معرفة جذورها، ومعالجتها معالجة تامة وليست آنية ووقتية فقط، وقد يطول العلاج بحسب الإهمال السابق وبحسب العامل المؤثر وقوته، وكذلك بحسب شخصية المنحرف وغيرها.

 

 30- حفظ اللسان

بعض المشاكل يكون وقودها اللسان، فقد ينقل كلام إلى الطرف الآخر، والأمور متيسرة، فإذا بها تتعسر؛ ولهذا فإن صور اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والاستهزاء والتحقير والشتم والسب واللعان، يؤجر عليه المسلم، فما بالك إذا كان ذلك في معمعة المشاكل، والصدور قد امتلأت؟ ولا يضرك أن يكون الطرف الآخر قد أخذ بهذه الأمراض وأجراها على لسانه فخير لك أن لا تتبعه في ذلك، وتوكل على الله، واسأله أن يكفيك الشر، وأن يصرفه عنك.

 

 31- علاج المشاكل

ليس معناه القضاء عليها وإنهاءها تماما

ولكن إذا وقعت مصيبة كالطلاق مثلا يكفي من الحلول إيقافها عند حدها، حتى لا تنتشر فتضر، وتسوء عشرة ما بعد الطلاق،وخاصة إذا كان هناك أبناء، ثم هي أيضا قد تعالج ما بعد مشكلة الطلاق فيعود الزوج إلى زوجته والأم إلى بيتها أو الأبناء إلى دارهم، ويكفي من العلاج عدم انتشار المشكلة وشيوعها وتصاعد حدتها، ولو أن مريضا انكسرت يده وأتى للطبيب فإن العلة موجودة، لكنه يجعل لها جبارة من جبس حتى تتعافى رويدا رويدا، ثم يعطى مسكنات حتى تستمر عملية الجبر في الطريق الصحيح.

 

 22- لا تجعل المشكلة تأخذ كل وقتك

لا شك أن المشكلة التي وقعت فيها، كبيرة وعظيمة كما تظن لكن ليست هي كل شيء، فلا تأخذ منك كل شيء، ولا تأخذ جل وقتك وتفكيرك، مما يؤدي بك إلى مشكلة أخرى، وهي تعطيل أعمال أخرى وزيادة القلق والاضطراب، بل أنزل هذه المشكلة منزلتها، وأد أعمالك كما كنت تعمل، بل واجعل لك زيادة وقت، في الترويح عن النفس ولقاء المعارف والأصدقاء حتى تعوض ما فقدته من انشراح وسرور.

 

 33- معرفة شخصية الطرف الآخر

بعض المشاكل يوجد فيها طرف آخر أو أطراف أخرى، ولنمثل بالزوج وزوجته أو الابن وأهله، ولمعرفة شخصية الطرف الآخر أهمية في اتخاذ القرار المناسب، فبعضهم مزاجي الشخصية، والآخر عطوف وحنون، والثالث يندم ويثوب إلى رشده سريعا، والرابع إذا خوف بالله عز وجل يخاف وهكذا.

وقد ينطلق الحل من معرفة المدخل الصحيح لشخصيته.

 

 34- البيئة المحيطة

لكل مشكلة أو قضية بيئة تنشأ فيها، فلا بد من معرفة هذا الوسط، ومن يؤثر على الطرف الآخر في هذا الوسط، وبالإمكان إرسال رسائل مع الوسيط لمعرفة آلية تفكيره وماذا يريد أن يفعل وكيف يتصرف؟ وهكذا وبعض الناس لهم أشخاص يعتبرون مرجعا لهم في كل شيء فيحسن معرفة من يستشير؟ ولمن يرجع؟ فلربما تم اتخاذ القرار عن طريق من يؤثر عليه من وسطه من الأقارب أو الأصدقاء أو المعارف أو غيرهم.

 

 35- الاطلاع على أحوال الناس

في بعض المجالس، يستطيع الإنسان أن يثير قضية مشابهة لقضيته، فيدع الحضور يتحدثون ويلقون بالآراء والحلول، وأنت تستمع إلى الحلول وتختار أجودها، ولسوف ترى كيف هي أحوال الناس وكيف مرت بهم الأزمات؟ بل وقد تكون أشد من أزمتك.. وفي حديث الناس تسلية لقلبك، وأنك لست في المشاكل لوحدك ولا يخلو بيت من مشكلة، لكن الأحوال مستورة والبيوت معمورة والمطلع هو الله عز وجل..

 

 36- الاستعانة بالمراكز الاستشارية المتخصصة

نشأت في الفترة الأخيرة، بعض المراكز الاستشارية؛ خاصة فيما يتعلق بأمر المعاملات الزوجية، وكيفية حل الخلافات، وكذلك الاستشارة في أمر تربية الأبناء، وأفضل الطرق لتربيتهم ومن تلك المراكز ما هو تابع لمؤسسات خيرية كمشروع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله لمساعدة الشباب على الزواج، ومنها ما هو مرتبط بجهات أخرى، ولعل فيها بعض التجارب والآراء النافعة.

 

 37- الاستشارة

إذا وقع الإنسان في أمر من أمور الدنيا، فإنه يحتاج لحله وتجاوزه، إلى رأي صائب وفكر مستنير، يستعين به بعد الله عز وجل؛ وهنا يبرز السؤال الهام في هذه المرحلة: من يستشير؟ وإلى من يبث شكواه وهمه؟

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تكلم فيما لا يعنيك واعرف عدوك واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمش مع الفاجر فيعلمك من فجوره ولا تطلعه على سرك، ولا تشاوره في أمرك، إلا الذين يخشون الله عز وجل.

ومن تأمل في أحوال المستشار يجد العجب، فبعضهم ليس لديه تجربة حتى نقول: إنه صاحب خبرة، والآخر ليس لديه علم شرعي؛ حتى يستهدى به، والأخرى من النساء تجدها حين تستشار عجلة في التوجيه بترك الزوج، وأنه لا فائدة في الجلوس معه، ثم هي بعد أن تنهي المكالمة، تذهب لزوجها وتترك المسكينة تتجرع مرارة استشارتها طلاقا وفراقا، وهناك من قد يستشيرهم المرء وفي قلوبهم مراتع من الحقد والحسد.

فالمقترح الأول: أن يستشير من هم بعيدون عنه، حتى يحتفظ بأسراره ومشاكله، بعيدا عن نشرها وإذاعتها.

والمقترح الآخر: أن من يستشيرهم : أهل العلم والفضل، فيجمع بين أمرين: عدم إفشاء أسراره لأحد لكثرة من يتصل على العلماء والمشايخ، والآخر أنهم أهل فضل وورع، يدلونك على حل فيه العلم والنور بإذن الله ولا يمنع أن يتصل على أكثر من طالب علم، فالمشاكل ليست مثل الفتاوى.

ولطبيعة المشكلات وطول شرحها، فالمقترح أن يهاتف طلبة العلم دون المشايخ الكبار، لضيق أوقاتهم وانشغالهم بأمور الفتيا، مع الدقة في اختيار عناصر المشكلة من وجهة نظر منصفة، أي أن يذكر وجهة نظر الطرف الآخر أيضا حتى يكون الحل إيجابيا.

 

 38- الاستخارة

تطرق سمعك وتدور بخلدك بعض الحلول، فعليك بعد الاستشارة وسماع الآراء لحل المشكلة؛ الاستخارة الشرعية التي دل عليها النبي r كما في الحديث: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر وتسميه باسمه، خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره ويسره لي ثم بارك لي فيه؛ اللهم وإن كنت تعلمه شرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، فاصرفني عنه واصرفه عني، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به ولا حول ولا قوة إلا بالله"[أخرجه الطبراني عن ابن عمر].

 

39- الوقت والزمن

الوقت جزء من العلاج، بل قد يكون لوحده علاجا فالأيام تمر مر السحاب، والليالي تجري ولا تقف، فينسى الميت، وتتزوج المطلقة ويكبر الصغير، وتسلى الأم عن رضيعها، والله المستعان.

فدع الأيام تمر، واكسب عملا صالحا، يقربك إلى الله زلفى، فإن الأيام تأخذ دورتها، والأنفاس إلى أجلها، ثم يأتي هاذم اللذات ليحمل قلبا حمل هما، وعقلا تعب تفكيرا، ثم الجزاء والحساب، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 40- تفويض الأمر إلى الله

الإنسان يكد ويكدح في هذه الدنيا، وليس له منها إلا ما كتبه الله عز وجل فإذا بذل الأسباب واستشار واستخار، فإن الأمر كله لله يدبر الأمر كيف يشاء، فلتطب نفسك بحكم الله وقضائه، خاصة أنك بذلت ما في وسعك، فالحمد لله مقدر الأمور، وعليك بالفرح والسعادة وأنت تلجأ إلى ركن شديد ورب غفور رحيم.

وتأمل في حال النبي r وهو يتحسر على إعراض قومه بعد أن بذل وسعه في دعوتهم، فخاطبه المولى جل وعلا بقوله: }فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ{ [فاطر: 8].


الخاتمة

أخي المسلم:

إذا فجعتك المصائب، ونزلت بك الهموم، وادلهمت بك الطرق، وأظلمت عليك الدروب، من حوادث الدنيا المقدرة فعليك بمنزلة الرضا لما قدر الله وقضى، فإنها المنزلة الأولى، فارض بقضاء الله وقدره: }قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا{ [التوبة: 51].

والدرجة الثانية: الصبر على البلاء، وهذه لمن لم يستطع الرضا بالقضاء، فالرضا فعل مندوب إليه مستحب، والصبر واجب على المؤمن حتم.

واعلم أنه متى أصابك مكروه فاعلم أن الذي قدره حكيم عليم يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأنه تعالى قد تنوعت رحمته على عبده، يرحمه فيعطيه، ثم يرحمه فيوفقه للشكر، ويرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر، فرضا الله متقدم على التدابير السارة، والضارة متأخرة عنها، ويرحمه أيضا بأن يجعل ذلك البلاء مكفرا لذنوبه وآثامه ومنميا لحسناته ورافعا لدرجاته.