مع الحبيب
في رمضان
إكثاره صلى الله عليه وسلم
من الإحسان والبر
والصدقة
كان صلى الله عليه وسلم
جواداً كريماً سائر حياته ، وكان أكثر جوداً وكرماً وعطاءً في رمضان ،فقد
كان أجود من الريح المرسلة ،قال ابن عباس رضي الله عنهما: (فلرسول الله صلى
الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة)(رواه البخاري) وكان لا يرد
سائلاً، ولا يمنع محتاجا ً، مستجيباً في ذلك لتأديب ربه تعالى إياه:
(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا
تَنْهَرْ)(الضحى:9-10)
وما كان صلى الله عليه وسلم يقول لأحد (لا)
قط..
إذن أكبر معالم سيرته وهديه صلى الله عليه
وسلم في رمضان : الجود والإعطاء والإنفاق والبذل والسخاء ، حتى الثياب التي
عليه إذا سئل أعطاها.
ففي الحديث الصحيح الذى
أخرجه البخارى :
عن سهل رضي الله عنه : (أن
امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة فيها حاشيتها أتدرون ما
البردة قالوا الشملة قال نعم قالت نسجتها بيدي فجئت لأكسوكها فأخذها النبي
صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره فحسنها فلان فقال
اكسنيها ما أحسنها قال القوم ما أحسنت لبسها النبي صلى الله عليه وسلم
محتاجا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد قال إني والله ما سألته لألبسها
إنما سألته لتكون كفني قال سهل فكانت كفنه). وهكذا فقد طبق الرسول صلى الله
عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى
أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر : 9)
فهل جربت أخي المسلم مرة أن
تعطي أحداً شيئاً أنت في حاجة إليه ؟ وهل أنت واثق أن الله سيخلف عليك
بالخير: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ)( سبأ : 39 )
صيامه
صلى الله عليه وسلم لشهر رمضان :
وهذا بيِّن ، والمراد من
إيراده مع بداهته التذكير بشيء من صفة صيامه صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك
:
** النية :
النية محلها القلب ، والتلفظ
بها بدعة ، وإن رآها الناس حسنة ، عن بن عمر عن حفصة أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : (من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)**
سحوره صلى الله عليه وسلم :
أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالسحور تفريقاً بين صومنا وصوم أهل الكتاب.
عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (فصل ما بين
صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)
عن أبي هريرة عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : (نعم سحور المؤمن التمر)
والسحور بركة؛ لأنه اتباع
للسنة، ويقوي على الصيام، وفيه مخالفة لأهل الكتاب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)
ومن أعظم بركات السحور أن
الله سبحانه وملائكته يصلون على المتسحرين ، فعن أبي سعيد الخدري قال :
(قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : السحور أكله بركة ، فلا تدعوه و لو
أن يجرع أحدكم جرعة ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين)
وكان صلى الله عليه وسلم يسمى السحور
بالغداء المبارك : عن عرباض بن سارية قال: ( دعاني رسول الله صلى الله عليه
و سلم إلى السحور في رمضان فقال : هلم إلى هذا الغداء المبارك )
بيانه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بعض
الأحكام الشرعية المتعلقة بالصيام :
وذلك مثل :
عدم
دخوله صلى الله عليه وسلم في صيام رمضان إلا برؤية شاهد أو إتمام عدة شعبان
ثلاثين :
عن
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان
فقال : (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم
فاقدروا له)
عن ابن عمر قال : (تراءى الناس الهلال
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه ، وأمرالناس بصيامه )
عن
أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته
وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين)
عن
بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أنه ذكر رمضان فقال
لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له)
وقال صلى الله عليه وسلم قال:"إنا أمة
أمية. لا نكتب ولا نحسب. الشهر هكذا وهكذا وهكذا" وعقد الإبهام في الثالثة
" والشهر هكذا وهكذا وهكذا "يعني تمام ثلاثين.
وقال صلى الله عليه وسلم:
(لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ، إلا أن يكون رجلٌ كان
يصوم صومًا فليصم ذلك الصوم)
تأخيره للسحور :
حيث
كان صلى الله عليه وسلم يتناوله قبل أذان الفجر الثاني بقليل ، عن زيد بن
ثابت رضي الله عنه قال : (تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى
الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية)(رواه البخاري
ومسلم)
عن
أبي عطية قال قلت لعائشة فينا رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
أحدهما : (يعجل الإفطار ويؤخر السحور والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور
قالت أيهما الذي يعجل الإفطار ويؤخر السحور قلت عبد الله بن مسعود قالت
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع) (رواه النسائى وصححه
الألباني)
سن
لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم تأخير السحور لأنه يقوي على الصيام ويخفف
المشقة، ولأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت
تنزل الرحمات والنفحات وفيه التأهب لصلاة الفجر.
أكل
الناسي وشربه:
بين لنا الحبيب بأبي هو وأمي وروحي ، بين
لنا أنه إذا نسي الصائم فأكل أو شرب فلا إثم عليه وليتم صومه : عن أبي
هريرة رضي الله عنه. قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو
صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه. فإنما أطعمه الله وسقاه)(رواه مسلم).
** إفطاره صلى الله عليه وسلم :
بين لنا الحبيب صلى الله عليه وسلم وقت
إنقضاء الصوم فقال : (إذا أقبل الليل وأدبر النهار، وغابت الشمس ، فقد أفطر
الصائم)
عن
أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله : (أحب عبادي
إلي أعجلهم فطرا)
وعنه
رضى الله عنه،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يزال الدين ظاهرا
ماعجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون)
عن
سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا يزال الناس بخير ما
عجلوا الفطر)
إذا
كان الناس بخير؛ لأنهم سلكوا منهاج رسولهم، وحافظوا على سننه؛ فإن الإسلام
يبقى ظاهراً وقاهراً، لا يضره من خالفه، وحينئذ تكون الأمة الإسلامية قدوة
حسنة يتأسى بها، لأنها لن تكون ذيلاً لأمم الشرق والغرب، وظلاً لكل ناعق
تميل مع الريح حيث مالت.
** الفطر قبل صلاة المغرب ، وعلى ماذا يفطر؟
كان
صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي المغرب ، وكان يفطر على رطب أو تمر أو
ماء .
عن
أنس بن مالك قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على
رطبات فإن لم تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء قال
أبو عيسى هذا حديث حسن غريب قال أبو عيسى وروي أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كان يفطر في الشتاء على تمرات وفي الصيف على الماء)
عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء
فإنه طهور)
** ماذا يقول عند الإفطار؟
عن
ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
أفطر قال ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)
عن
معاذ بن زهرة أنه بلغه
أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أفطر قال: "اللهم لك صمت وعلى رزقك
أفطرت".
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الطعام :
قال ابن القيم رحمة الله عليه في كتاب زاد
المعاد :
كان هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته في
الطعام: لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً، فما قرب إليه
شيءٌ من الطيبات إلا أكله إلا أن تعافه
نفسه، فيتركه من غير تحريمٍ ، عن أبي هريرة قال:
ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قطُّ، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه
تركه.(رواه البخاري)
ولم يكن يرد طيباً ولا يتكلفه، بل كان هديه
أكل ما تيسر فإن أعوزه صبر، حتى إنه ليربط على بطنه الحجر من الجوع ، ويرى
الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيته نار،عن عروة عن عائشة رضى الله
عنها أنها كانت تقول : (والله يا بن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم
الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله صلى
الله عليه وسلم نار قال قلت يا خالة فما كان يعيشكم قالت الأسودان التمر
والماء)(رواه مسلم)
إفطاره صلى الله عليه وسلم
كان إذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله ،
ويأمر الآكل بالتسمية:
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال : (إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى فإن نسي أن
يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره)
عن عمر بن أبي سلمة أنه قال : (كنت غلاما
في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما
زالت تلك طعمتي بعد)(رواه البخاري)
وكان صلى الله عليه وسلم إذا إنتهى من
طعامه حمد الله :
عن
أبي أمامة الباهلى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال :
( الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه ، غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ،
ربنا )(رواه البخارى)
عن
سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من أكل
طعاما ، ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه ، بغير حول مني
ولا قوة ؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . وقال : من لبس ثوبا ، فقال :
الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه ، بغير حول مني ولا قوة ؛ غفر له ما تقدم
من ذنبه ، وما تأخر)
عن
أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليرضى عن
العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)
وكان سيد ولد آدم الحبيب صلى الله عليه
وسلم لايأكل متكأ: قال صلوات ربي وسلامه عليه: (لا آكل متكئاً).
الأكل مع الخادم:
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم
خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين، أو لقمة أو
لقمتين، فإنه وَلِيَ حَرَّهُ وعِلاجه)
سواكه صلى الله عليه وسلم في حال الصيام:
عن
عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ، ما لا
أحصي أو أعد .
وقال
صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
وضوء)
صبه
صلى الله عليه وسلم الماء على رأسه وهو صائم:
عن
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لقد رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالعرْج "اسم مكان" يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من
الحر)
وكان صلى الله عليه وسلم يتمضمض ويستنشق
وهو صائم ، وينهى الصائم عن المبالغة في الاستنشاق .
خروجه صلى الله عليه وسلم من الصيام برؤية محققة
أو بإتمام الشهر ثلاثين :
يدل
لذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( صوموا لرؤيته ،
وأفطروا لرؤيته ، وانسكوا لها ، فإن غم عليكم فأكملوا ثلاثين ،فإن شهد
شاهدان فصوموا وأفطروا )
سفره
صلى الله عليه وسلم في رمضان ، وصومه صلى الله عليه وسلم في حين وفطره في
آخر :
عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : (سافر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء
فيه شراب فشربه نهارا ليراه الناس ثم أفطر حتى دخل مكة قال بن عباس رضي
الله عنهما فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر فمن شاء صام ومن شاء
أفطر) (رواه مسلم)
عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
في سفر فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه وقد ظلل عليه فقال ماله قالوا رجل
صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر أن تصوموا في
السفر)(رواه مسلم)
عن
حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : (يا رسول الله أجد بي قوة على
الصيام في السفر فهل علي جناح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي رخصة
من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه قال هارون في
حديثه هي رخصة ولم يذكر من الله)(رواه مسلم)
قال
ابن القيم : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر
فيها الصائم بحدِّ ، ولا صح عنه في ذلك شيء ..." ومهما نقل عن أئمة الفقه ،
وأهل العلم في الأفضل من الفطر ، أو الصوم في السفر فيبقى أن الصوم والفطر
في السفر ، كل ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما ينبغي أن يراعيه
المتعجلون بالإنكار على المفطرين أو الصائمين في السفر .. فلكل مأخذه وحجته
.
أمور
نهى عنها الحبيب :
*
الإسراف فى الأكل :
قال
تعالى : (وكُلُواْ
وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ)(الأعراف : 31)
وعن
مقدام بن معدي كرب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن بحسب بن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا
محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)
عن
أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:
(يأكل المسلم في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء)
ولقد
كان طعامه قليلا متواضعا: قال عبد الله بن أنيس : (... فأُتي "أي
:
النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان"بعشائه فرآني أكفُّ عنه من قلِّته )
من
هنا ندرك أن التكلف والإسراف الذي نشهده اليوم في إفطار الناس وسحورهم هو
أبعد شيء عن هديه صلى الله عليه وسلم ؛
ذلك
أنه يوسّع حظ النفس بما يلهي ويثقل عن الطاعة . فحري بالكيس الحازم أن يضبط
الأمر ويحدَّ منه ، دون التذرع بالواهي من الحجج ، من تناول الطيب وإكرام
الضيف .. بما يفوت خيراً كثيراً . وليتأس بنبيه صلى الله عليه وسلم فيما
عرف من أحواله
* قول الزور:
قال صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله عز وجل
حاجة أن يدع طعامه وشرابه)
* اللغووالرفث:
قال : صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشراب ، وإنما الصيام من
اللغووالرفث ، فإن سابَّـك أحد أو جَهِل عليك فقل: إني صائم)(صحيح ابن
خزيمة)
عن أبي هريرة رضي الله عنه رواية قال :
(إذا أصبح أحدكم يوما صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله
فليقل إني صائم إني صائم)(رواه مسلم)
تواضعه وزهده صلى الله عليه وسلم :
وشواهده كثيرة ، منها : سيلان ماء المطر من سقف المسجد على مصلاه صلى الله
عليه وسلم وسجوده في ماء وطين،
وصلاته صلى الله عليه وسلم قيام الليل على
حصير.
واعتكافه صلى الله عليه وسلم في قبة تركية
على سدتها حصير،
وتواضع فطوره وسحوره صلى الله عليه وسلم .
ومن
هذا يتبين أن الأقرب إلى هديه صلى الله عليه وسلم هو التواضع والزهد وهو :
ترك ما لا ينفع في الآخرة ، والتقلل من نعيم الدنيا ، والتبسط وترك التكلف
الذي يكون دافعه تواضع القلب لله تعالى وإخباته له ،وإقباله عليه ،
وطمأنينته ورضاه به ، وتعلقه بنعيم الآخرة الباقي ، وهذه حقيقة الزهد ، لا
أن نترك ذلك ظاهراً والقلوب شغوفة متطلعة إليه مشغولة به ، فتلك عبودية
الدنيا كعبودية الدرهم والدينار .
قيامه صلى الله عليه وسلم
الليل في رمضان :
ولعل أبرز ما تميز به قيامه
صلى الله عليه وسلم ما يلي:
أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في
قيامه على إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة:
كما يدل لذلك حديث عائشة قالت : (قالت ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على
إحدى عشرة ركعة يصلي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا
فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا فقلت يا رسول الله تنام قبل أن
توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي) ، وحديثها الآخر قالت : ( كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ، ثم يصلي إذا سمع
النداء بالصبح ركعتين خفيفتين) (رواه البخارى).
أنه صلى الله عليه وسلم لم
يكن يقوم الليل كله ، بل كان يخلطه بقراءة قرآن وغيره :
يدل لذلك حديث عائشة قالت :(
لا أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا قام
ليلة حتى الصباح ، ولا صام شهرا كاملا قط ، غير رمضان )(رواه النسائى وصححه
الألباني)، وحديث ابن عباس ، وفيه : ( وكان جبريل يلقاه كل ليلة في رمضان
حتى ينسلخ،عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن )
أن غالب قيامه صلى الله عليه
وسلم كان منفرداً ؛ خشية أن يُفرض القيام على أمته :
عن عائشة رضي الله عنها:أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل، فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته،
فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا،
فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصلى فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، حتى خرج
لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، فتشهد، ثم قال: (أما بعد،
فإنه لم يخف علي مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها). فتوفي
رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك .
لقد كان شديد الخوف أن يفرض
القيام على أمته فيقصِّر فيه أناس فيأثموا ، فيالها من رحمة أودعها الله جل
جلاله فى قلب الحبيب بأمي هو وأمي وروحي وقلبي ، وصدق الحكيم العليم في
قوله تعالي: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ
مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)
(التوبة : 128)
جهاده صلى الله عليه وسلم في رمضان وجعله
منه شهر بلاء وبذل وفداء :
قال أبو سعيد الخدري : ( كنا
نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان) (رواه مسلم)
لقد قاتل رسول الله صلى الله
عليه وسلم في تسع من غزوات المسلمين أيام حياته، وقد كانت اثنتان منهما في
رمضان، وكانت لهما مكانة كبيرة وخطر جسيم وهما غزوة بدر، وفتح مكة
ونتائجهماعظيمة الأثر في تاريخ الاسلام.
اعتكافه صلى الله عليه وسلم
وخلوته بربه سبحانه :
والمتأمل في حاله في
الاعتكاف يلحظ ما يلي :
** اعتكافه صلى الله عليه وسلم في المدينة في رمضان من كل سنة ، وتقلبه صلى
الله عليه وسلم في الاعتكاف في كل عشر من الشهر ، ثم استقراره في آخر الأمر
على الاعتكاف في العشر الأواخر منه ، لإدراك ليلة القدر:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال: إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان. ثم اعتكف العشر
الأوسط. في قبة تركية على سدتها حصير. قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في
ناحية القبة. ثم أطلع رأسه فكلم الناس. فدنوا منه. فقال:"إني اعتكفت العشر
الأول. ألتمس هذه الليلة. ثم اعتكفت العشر الأوسط. ثم أتيت. فقيل لي: إنها
في العشر الأواخر. فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف"(رواه مسلم)
عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى
الله عليه وسلم:أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من
رمضان حتى توفاه الله.
**عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:كان النبي
صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض
فيه اعتكف عشرين يوما. (رواه البخاري)
** أمره صلى الله عليه وسلم
بأن يُضرب له خباء في المسجد يلزمه يخلو وحده فيه بربه (رواه ابن ماجه
وصححه الألباني) قال ابن القيم : " كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ،
عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ومجلبة للزائرين ، وأخذهم
بأطراف الأحاديث بينهم، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون "
** دخوله صلى الله عليه وسلم
معتكفه إذا صلى فجر اليوم الأول من العشر التي يريد اعتكافها: يدل لذلك قول
عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ،
ثم دخل معتكفه )(رواه مسلم)
** حرصه صلى الله عليه وسلم
وهو معتكف على حسن مظهره ونظافة جسده ، كما في ترجيل عائشة شعره .
** حرصه صلى الله عليه وسلم على مخالفة أهل
الكتاب في أعمال رمضان : وهذا بيِّن
من قوله صلى الله عليه وسلم : (لا يزال الناس بخير ما عَجَّلُوا الفطْر ،
عَجِّلُوا الفطر فإن اليهود يؤخرون)(رواه ابن ماجه وصححه الألباني)
** إكثاره صلى الله عليه
وسلم من العمل في رمضان في آخر حياته :
عن أبي هريرة قال : ( كان
يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة ، فعرض عليه مرتين في
العام الذي قبض فيه ، وكان يعتكف كل عام عشراً ، فاعتكف عشرين في العام
الذي قبض فيه )(رواه البخاري)
زكاة الفطر:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض رسول
الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، صاعا من تمر أو صاعا من شعير، على
العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، من المسلمين، وأمر بها أن
تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة.
صيام ست من شوال :
ولتعلق قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذا
الركن من أركان الإسلام ، وهو الصوم ، فما كاد بأبي هو وأمي وروحي أن ينتهي
من صوم هذا الشهر حتي إشتاقت روحه للصيام مرة ثانية فقال صلوات ربي وسلامه
عليه : (من صام رمضان. ثم أتبعه ستا من شوال. كان كصيام
الدهر) (رواه مسلم)
أحواله صلى الله عليه وسلم
مع أمته في رمضان:
حاله صلى الله عليه
وسلم مع أمته في رمضان هو جزء لا يخرج عن الصورة العامة لهديه في سائر
العام ، مع مزيد توجيه وتعليم فيما يخص رمضان، وقد تقلب صلى الله عليه وسلم
مع صحابته في هذا الشهر بين أحوال عدة ، جملتها فيما يأتي :
**تعليمه صلى الله عليه وسلم لأصحابه
ومن ذلك: حديث شداد بن أوس ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل
بالبقيع ، وهو يحتجم ، وهو آخذ بيدي ، لثماني عشرة خلت من رمضان ، فقال :
أفطر الحاجم والمحجوم) (رواه أبوداود وصححه الألباني) .
والتعليم مهمة الأنبياء
وأتباعهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله لم يبعثني معنتاً ولا
متعنتاً ، ولكن بعثني معلماً ميسراً ) (رواه مسلم) ،
**إرشاده صلى الله عليه وسلم
لأصحابه وتوجيهه ووعظه لهم . ومن
ذلك:
حديث ابن عمر قال : « اعتكف رسول الله صلى
الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان ، فاتُّخِذَ له فيه بيت من سعف ،
قال : فأخرج رأسه ذات يوم ، فقال : إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر
أحدكم بما يناجي ربه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة ( (رواه أحمد)
**تحفيزه صلى الله عليه وسلم لأصحابه على
المبادرة في العمل الصالح وبيان ثواب ذلك لهم
. ومنه : حديث أبي هريرة في الحث على الصيام ، وفيه : ( والذي نفسي بيده
لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك يترك طعامه وشرابه
وشهوته من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به ، والحسنة بعشر أمثالها )(رواه
البخاري) وتحفيزه صلى الله عليه وسلم : دليل على حرصه على نفع صحبه الكرام
، وعلى أن النفوس مهما بلغت من الكمال والمسابقة في الخيرات لا تستغني عن
النصح والتوجيه ترغيباً وترهيباً .
أحواله صلى الله عليه وسلم
مع أمته في رمضان..2:
** إفتاؤه صلى الله عليه وسلم لمن سأله من
أصحابه ، وعدم معاتبته لمن أذنب
وجاء تائبا مستفتياً : فعن عائشة قالت : ( أتى رجل إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم في المسجد في رمضان ، فقال : يا رسول الله ! احترقت احترقت !
فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه ؟ فقال : أصبت أهلي ، قال :
تصدَّق ، فقال : والله يا نبي الله ! ما لي شيء وما أقدر عليه ، قال : اجلس
فجلس ، فبينا هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام ، فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم أين المحترق آنفاً ؟ فقام الرجل فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : تصدق بهذا ، فقال : يا رسول الله ! أغيرنا ؟ فوالله ! إنا
لجياع ما لنا شيء ! قال : فكلوه ) (رواه البخاري) ،
**إمامته
صلى الله عليه وسلم بالناس : وقد
أَمَّ أصحابه في قيام الليل في بعض ليالي رمضان ، وما منعه من الاستمرار
إلا خشيته صلى الله عليه وسلم من أن تفرض عليهم فيعجزوا عنها .
** خطبته صلى الله عليه وسلم فيهم
وحديثه إليهم عقب بعض الصلوات (رواه
البخاري)
**جعله صلى الله عليه وسلم من نفسه قدوة
لأصحابه ، ومن الدلائل على ذلك :
*خروجه صلى الله عليه وسلم
إلى المسجد ليصلي فيه من الليل ، كما في حديث عائشة ) أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته ...
( (رواه البخاري)
*اعتكافه صلى الله عليه وسلم
لتحري ليلة القدر ، وحثه لأصحابه على ذلك .
*إفطاره صلى الله عليه وسلم
في السفر بعد العصر ليراه أصحابه ، وذلك بعد أن بلغ بهم الجهد مبلغه .
*رحمته صلى الله عليه وسلم
بأصحابه.
ومن الأمور الدالة على
ذلك:
*أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالإفطار
في السفر قبل ملاقاة العدو ، فعن
بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : (رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم أمرالناس في سفره عام الفتح بالفطر ، وقال : تقووا لعدوكم . وصام رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
*ومن رحمته : نهيه صلى الله عليه وسلم
لأصحابه عن الوصال رحمة بهم ، وحثه
صلى الله عليه وسلم لأصحابه على تعجيل الفطر وتناول السحور ، وتركه صلى
الله عليه وسلم الصلاة بأصحابه جماعة في قيام الليل خشية من أن تفرض عليهم
، وتخفيفه صلى الله عليه وسلم الصلاة حين كان إماماً بهم .
*حثه صلى الله عليه وسلم لأصحابه على طهارة
النفس وتوقي الذنوب . ولذا قال : (رب
صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر )
لقد توجهت عناية كثير إلى
إصلاح الظاهر والشدة فيه وإنكار المعاصي والذنوب الجليَّة ، مع ضعفٍ في
تناول ذنوب القلب وأمراضه التي تورث ذنوب الجوارح ، مع أن النبي صلى الله
عليه وسلم يقول : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا
فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) (رواه البخاري)،
**استقباله
صلى الله عليه وسلم لمن وفد عليه .
قال ابن إسحاق : ( وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك ،
وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف)
إن مخالطته صلى الله عليه
وسلم للناس في رمضان صفحة من جهده الدعوي فيه ، وهو ما يحتاجه الدعاة
للتأسي به.
**
أمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه بإخراج زكاة الفطر من رمضان .
**إيكاله صلى الله عليه وسلم بعض
الأعمال إلى أصحابه ، كماوكّل أبا
هريرة بحفظ زكاة رمضان (رواه البخاري)
وفي هذا تخفيف من الجهد عليه
؛ لأن الشخص بمفرده لا يطيق القيام بجميع المهام ، فلا مفرّ من توكيل
الآخرين وتفويضهم في القيام بالأعمال وإنجاز المهام ، وهذا يعكس في الوقت
نفسه ثقة الداعية في أصحابه ، وهكذا كان صلى الله عليه وسلم يعامل صحبه
الكرام ، حتى كانوا رجال أمة ودولة.
|