عبدالله بن رواحة
عبد الله بن رواحة كان كاتبا وشاعرا من أهل المدينة ، منذ أسلم وضع كل
مقدرته في خدمة الإسلام ، بايع الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بيعة
العقبة الأولى والثانية ، وكان واحدا من النقباء الذين اختارهم الرسول
الكريم
.
الشعر
جلس الرسـول -صلى الله عليه وسلم- مع نفر من أصحابه فأقبل عبد الله بن
رواحة ، فقال له الرسـول الكريـم :( كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول ؟)
فأجاب عبد الله :( أنظُر في ذاك ثم أقول
)
ومضى على البديهة ينشد
:
يا هاشم الخير إن الله فضلكم___على
البرية فضلاً ما له غير
إني تفرَّستُ فيك الخير أعرفـه___فِراسة
خالَفتهم في الذي نظروا
ولو سألت أو استنصرت بعضهمو___في
حلِّ أمرك ما ردُّوا ولا نصروا
فثَّبـت اللـه ما آتـاك من حَسـَنٍ___تثبيت
موسى ونصرا كالذي نُصِرُوا
فسُرّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي وقال :( وإياك فثبَّت الله
)
ولكن حزن الشاعر عندما نزل قوله تعالى
:
والشّعراء يتبعهم الغاوون
ولكنه عاد وفرح عندما نزلت آية أخرى
:
(إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وذكروا الله كثيرا ، وانتصروا من
بعد ما ظُلموا)
جهاده
كان يحمل عبد الله بن رواحة سيفه في كل الغزوات وشعاره
:(
يا نفْسُ إلا تُقْتَلي تموتي
)
وصائحا في المشركين
: خلُّوا
بني الكفار عن سبيله خلوا ، فكل الخير في رسوله.
غزوة مؤتة
كان عبد الله -رضي الله عنه- ثالث الأمراء فيها ، زيد بن حارثة ، جعفر
بن أبي طالب ، والثالث عبد الله بن رواحة ، وقف ينشد وهو مغادر
المدينة.
لكننـي أسـأل الرحمـن مغفرة___وضَرْبة
ذات فَرْع تَقْذف الزَبدا
أو طعنة بيديْ حرَّان مُجهزة___بحربة
تنفذ الأحشاء والكَبدا
حتى يُقال إذا مرُّوا على جَدَثـي___يا
أرشَدَ اللهُ من غازٍ وقد رَشَدا
وتحرك الجيش الى مؤتة ، وهناك وجدوا جيش الروم يقرب من مائتي ألف مقاتل
، فنظر المسلمون الى عددهم القليل فوَجموا وقال بعضهم :( فلنبعث الى
رسول الله نخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا
بالزحف فنطيع
)
ولكن نهض ابن رواحة وسط الصفوف وقال :( يا قوم ، إنا واللـه ما نقاتل
أعداءنا بعَـدَد ولا قـوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهـذا الديـن الذي
أكرمنا الله به ، فانطلقوا ، فإنما هي إحدى الحُسنَيَيـن ، النصر أو
الشهادة
)
فهتف المسلمون :( قد والله صدق ابن رواحة
) .
الشهادة
والتقى الجيشان بقتال قوي ، فسقط الأمير الأول شهيدا ، ثم سقط الأمير
الثاني شهيدا ، وحمل عبد الله بن رواحة الراية فهو الأمير الثالث وسط
هيبة رددته فقال لنفسه
:
أقْسَمتُ يا نَفـْسُ لَتَنْزلنَّـه___مالي
أراك تكرهين الجنة ؟
يا نفسُ إلا تُقتلي تموتـي___هذا
حمَام الموتِ قد صَلِيتِ
وما تمنَّيتِ فقد أُعطيتِ___إن
تفعلي فعلهما هُدِيتِ
وانطلق يعصف بالروم عصفا ، وهوى جسده شهيدا وتحققت أمنيته ، وفي هذا
الوقت كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- في المدينة مع أصحابه ، فصمت
فجأة ورفـع عينيه ليظهر عليه الأسـى وقال :( أخذ الراية زيـد بن حارثة
فقاتل بها حتى قُتِل شهيـدا ، ثم أخذها جعفـر فقاتل بها حتى قُتِل
شهيـدا
)
وصمت قليلا ثم استأنف قائلا :( ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل بها
حتى قُتِل شهيدا
)
ثم صمت قليلا ثم تألقت عيناه بومض متهلل مطمئن فقال :( لقد رُفِعُوا
إليَّ في الجنَّة
)
.
المزيد >>
|