الصفحة الرئيسية |
|
الجمعة 10 رمضان 1434هـ، 19 تموز 2013م |
|
كن فطناً يقال أن فلاحا رأى ثعبانا يرقد تحت شجرة ظليلة ، فرفع فأسه عالياً هاويا بها على رأس الثعبان ، لكن الثعبان كان أسرع منه حركة ففزع من رقدته واستدار بقوة وعلى فحيحه وهم ليعض الفلاح الخائف. فما كان من الفلاح إلا أن قال بضعف : مهلا أيها الثعبان ، إن قتلتني لم يفدك قتلي شيئا ، ولكن ما رأيك أن نعقد صلحا فلا تؤذيني ولا أؤذيك ، والله يشهد على اتفاقنا . فقال الثعبان بعد برهة من التفكير : لا بأس أوافق على السلام وألا يؤذي أحدنا الآخر. ويمر بعض يوم ويأتي الفلاح للثعبان الغافي ويحاول ثانية قطع رأسه غدرا وغيلة ، فيلتف الثعبان الحذر ، والشرر يتطاير من عينيه وقد هم بعض قاتله ، الذي بادر قائلا في هوان : سامحني ونتعاهد على ألا يؤذي أحدنا الآخر .فيقول له الثعبان : قل لي كيف أأمن لك وهذا أثر فأسك محتلا موضع رأسي !؟. ثم يعضه عضة يموت على إثرها . يقول رسولنا الكريم: )المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين ( ، وتقول حكمة الأجداد : إن خدعك أحدهم مرة فأنت طيب ، وإذا كرر خداعك فأنت أحمق! . المؤمن كيسٌ فطن ، قد يُخدع مرة لحسن ظنه ، أو كرم طبعه ، لكنه أبدا ليس بالغر الساذج . نصحني يوما شيخي وأستاذي الدكتور ( عمر عبدالكافي) ألا أترك حقا لي ، أو أقبل إهانة ولو كانت بسيطة ، خشية أن تلتصق قلة الحيلة والضعف ( الدروشة) بالمنتسبين إلى الحركة الإسلامية . أهاب بي وقتها بأن أكون المؤمن القوي المتماسك ، الشجاع الصلب ، محذرني من أن يخدعني غر ساذج ، أو يتلاعب بي مرتزقة الحياة. وما بين حكمة الثعبان ، ونصيحة شيخي الجليل ، نتعلم يا صديقي فائدة أن نتمتع بالذكاء الحاضر ، والإدراك ، والنضج الاجتماعي ، والذي يعطينا القدرة على استيعاب التجارب السابقة والتعلم منها ، واستدعاء الحذر والانتباه تجاه كل ما يتعرض لذواتنا. نعم نقبل الاعتذار ، ونعفو عمن أخطأ وأساء ، لكنه عفو المقتدر الكريم ، وسماحة القوي العزيز ، والمؤمن القوي أحب عند الله من المؤمن الرخو الضعيف. إشراقة : الأحمق لا يسامح ولا ينسى، الساذج يسامح وينسى، أما الحكيم فيسامح ولا ينسى… توماس شاز
--------
من كتاب (أفكار صغيرة لحياة كبيرة) لكريم الشاذلي
|