الصفحة الرئيسية |
|
الأربعاء 4 رمضان 1434هـ، 13 تموز 2013م |
|
امتلك قطعة من الحياة هيا يا صديقي أحضر ورقة وقلم ، وتعال كي تكتب نعيك. ! أدري أنه مطلب شؤم ، لكن المغزى منه جداً مهم. ! أحد الصالحين كان يجلس في حفرة ويقول ) رب ارجعون لعلي أعمل صالحا ( ، ثم ينهض قائلاً لنفسه : ها قد عدت ، فأرنا ماذا تفعل ؟. ! إنه يقوم بتمثيل دور المحتضر ، القادم على ربه بصحيفة عمله. والمحتضر يمر على ذهنه حال احتضاره شريط حياته ، فيود صادقا تغيير أحداث ومواقف ، ويأمل في أن يضيف لمشواره إضافات أخرى أكثر قوة وخيرية ونُبل. إستطاع الروائي غابريل ماركيز ، أن يعبر عن هذا المعنى جليا بعدما اكتشف إصابته بالمرض اللعين وشعر بظلال الموت تزحف لتنهي حياته الحافلة فكتب على موقعه على شبكة الانترنت رسالة موجهة إلى قرائه قال فيها : آه لو منحني الله قطعة أخرى من الحياة ! ، لاستمتعت بها ولو كانت صغيرة أكثر مما استمتعت بعمري السابق الطويل ، ولنمت أقل ، ولاستمتعت بأحلامي أكثر ، ولغسلت الأزهار بدموعي ، ولكنت كتبت أحقادي كلها على قطع من الثلج ، وانتظرت طلوع الشمس كي تذيبها ، ولأحببت كل البشر. ولما تركت يوما واحدا يمضي دون أن أبلغ الناس فيه أني أحبهم ، ولأقنعت كل رجل أنه المفضل عندي . كانت هذه نصيحة رجل وقف على حافة الموت ، يتمنى أن يعود بقدميه للخلف كي يقتنص قطعة أخرى من الحياة ، وما أريده منك الآن أن تبصر بوضوح أن أمامك قطعة من الحياة تستطيع أن تفعل فيها الكثير . عندما أطالبك بأن تكتب نعيك أريدك أن تكون أكثر وضوحا لما تريده من حياتك المستقبلية . أكثر استفادة من تجارب الآخرين وخبراتهم . أقل أخطاء وعثرات. وتصور أن أولادك مثلا بعد ثلاثون عاما سيجلسون لكتابة نعيك ، ما الذي تود أن يكتبوه فيه ؟. هل يكتبوا اسمك فحسب ، نظرا لأن حياتك لم يكن فيها ما يميزها ؟. أم أنه سيكتب في النعي صفة رنانة ( المربي الفاضل ، رائد العمل التطوعي ، رجل الأعمال الخلوق) . لا تخرج من الحياة يا صديقي كما دخلتها ، صفراً من الإنجاز والتقدير. أمير الشعراء ( شوقي ) يلهب حماستك أن ) كن رجلاً إذا أتوا من بعده يقولون مر .. وهذا الأثر . ).. فأين أثرك الذي يدلل عليك ، أين معالم إنجازك ، وملامح عظمتك ؟ . و أسفاه على امرء ينظر إلى سنين عمره وقد طوتها الأيام طياً ، بلا إنجاز يذكر ، أو فعل يخلده . قم الآن قارئي الحبيب وأحضر ورقة بيضاء ، واسأل الله أن يهبك العمر المديد والعمل الصالح ، واكتب نعيك بنفسك ، وتعهد لذاتك بأن تحقق ما اخترته ليكون عملك الخالد الباقي. أنظر إلى آخر الطريق ، قبل أن تجد السير فيه ، وأتح لنفسك الفرصة كي ترى المستقبل ماثلا بوضوح أمامك ، وتذكر دائما قول خالقك ( ولتنظر نفس ما قدمت لغد ). إشراقة : من يرى العالم وهو في الخمسين من عمره مثلما كان يراه وهو في العشرين فقد أضاع ثلاثين سنة من عمره... محمد علي كلاي
--------
من كتاب (أفكار صغيرة لحياة كبيرة) لكريم الشاذلي
|