الصفحة الرئيسية

الجمعة 13رمضان 1435هـ، 11 يوليو 2014م 

 

 

 

الغلام المؤمن والساحر

 

" كان ملكٌ فيمن كان قبلكم . وكان لهُ ساحرٌ . فلما كبرَ قال للملكِ : إني قد كبرتُ . فابعث إليَّ غلامًا أُعلِّمُه السحرَ . فبعث إليهِ غلامًا يُعلِّمُه . فكان في طريقِه ، إذا سلك ، راهبٌ . فقعد إليهِ وسمع كلامَه . فأعجبَه . فكان إذا أتى الساحرَ مرَّ بالراهبِ وقعد إليهِ . فإذا أتى الساحرَ ضربَه . فشكا ذلك إلى الراهبِ . فقال : إذا خشيتَ الساحرَ فقل : حبسني أهلي . وإذا خشيتَ أهلك فقل : حبسني الساحرُ . فبينما هو كذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ قد حبستِ الناسَ . فقال : اليومَ أعلمُ آلساحرُ أفضلُ أم الراهبُ أفضلُ ؟ فأخذ حجرًا فقال : اللهم ! إن كان أمرُ الراهبِ أحبُّ إليك من أمرِ الساحرِ فاقتل هذهِ الدابةَ . حتى يمضي الناسُ . فرماها فقتلها . ومضى الناسُ . فأتى الراهبَ فأخبرَه . فقال لهُ الراهبُ : أي بنيَّ ! أنت ، اليوم ، أفضلُ مني . قد بلغ من أمرك ما أرى . وإنك ستُبتلى . فإن ابتُليتَ فلا تَدُلَّ عليَّ . وكان الغلامُ يُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ ويُداوي الناسَ من سائرِ الأدواءِ . فسمع جليسٌ للملكِ كان قد عمي . فأتاهُ بهدايا كثيرةٍ . فقال : ما ههنا لكَ أجمعُ ، إن أنتَ شفيتني . فقال : إني لا أشفي أحدًا . إنما يشفي اللهُ . فإن أنت آمنتَ باللهِ دعوتُ اللهَ فشفاكَ . فآمنَ باللهِ . فشفاهُ اللهُ . فأتى الملكُ فجلس إليهِ كما كان يجلسُ . فقال لهُ الملكُ : من ردَّ عليك بصرك ؟ قال : ربي . قال : ولك ربٌّ غيري ؟ قال : ربي وربك اللهُ . فأخذَه فلم يزل يُعذبْه حتى دَلَّ على الغلامِ . فجئَ بالغلامِ . فقال لهُ الملكُ : أي بنيَّ ! قد بلغ من سحركَ ما تُبرئُ الأكمهَ والأبرصَ وتفعلُ وتفعلُ . فقال : إني لا أشفي أحدًا . إنما يشفي اللهُ . فأخذَه فلم يزل يعذبْه حتى دلَّ على الراهبِ . فجئ بالراهبِ . فقيل لهُ : ارجع عن دينك . فأبى . فدعا بالمئشارِ . فوُضع المئشارُ على مفرقِ رأسِه . فشقَّه حتى وقع شِقَّاه . ثم جئ بجليسِ الملكِ فقيل لهُ : ارجع عن دينك . فأبى . فوُضعَ المئشارُ في مفرقِ رأسِه . فشقَّهُ بهِ حتى وقع شِقَّاهُ . ثم جئ بالغلامِ فقيل لهُ : ارجع عن دينك . فأبى . فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال : اذهبوا بهِ إلى جبلِ كذا وكذا . فاصعدوا بهِ الجبلَ . فإذا بلغتم ذروتَه ، فإن رجع عن دينِه ، وإلا فاطرحوهُ . فذهبوا بهِ فصعدوا بهِ الجبلَ . فقال : اللهم ! اكفنيهم بما شئتَ . فرجف بهم الجبلُ فسقطوا . وجاء يمشي إلى الملكِ . فقال لهُ الملكُ : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم اللهُ . فدفعَه إلى نفرٍ من أصحابِه فقال : اذهبوا بهِ فاحملوهُ في قرقورٍ ، فتوسَّطوا بهِ البحرَ . فإن رجع عن دينِه وإلا فاقذفوهُ . فذهبوا بهِ . فقال : اللهم ! اكفنيهم بما شئتَ . فانكفأت بهم السفينةُ فغرقوا . وجاء يمشي إلى الملكِ . فقال لهُ الملكُ : ما فعل أصحابك ؟ قال : كفانيهم اللهُ . فقال للملكِ : إنك لستَ بقاتلي حتى تفعلَ ما آمرك بهِ . قال : وما هو ؟ قال : تجمعُ الناسَ في صعيدٍ واحدٍ . وتُصلبني على جذعٍ . ثم خذ سهمًا من كنانتي . ثم ضعِ السهمَ في كبدِ القوسِ . ثم قل : باسمِ اللهِ ، ربِّ الغلامِ . ثم ارمني . فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناسَ في صعيدٍ واحدٍ . وصلبَه على جذعٍ . ثم أخذ سهمًا من كنانتِه . ثم وضع السهمَ في كبدِ القوسِ ثم قال : باسمِ اللهِ ، ربِّ الغلامِ . ثم رماهُ فوقع السهمُ في صدغِه . فوضع يدَه في صدغِه في موضعِ السهمِ . فمات . فقال الناسُ : آمنَّا بربِّ الغلامِ . آمنَّا بربِّ الغلامِ . آمنَّا بربِّ الغلامِ . فأتى الملكُ فقيل لهُ : أرأيتَ ما كنت تحذرُ ؟ قد ، واللهِ ! نزل بك حذرك . قد آمنَ الناسُ فأمر بالأخدودِ في أفواهِ السككِ فخُدَّت . وأُضرمَ النيرانُ . وقال : من لم يرجع عن دينِه فأحموهُ فيها . أو قيل له : اقتحم . ففعلوا حتى جاءت امرأةٌ ومعها صبيٌّ لها فتقاعست أن تقعَ فيها . فقال لها الغلامُ : يا أمه ! اصبري . فإنكِ على الحقِّ " .

 

 

 

من فوائد وعبر القصة :

 

1-   كل مولود يولد على الفطرة ، فاقتضت الفطرة السليمة أن تكون مع الحق والخير دائماً وترفض الشر ، فوجهت الغلام نحو الخير حين سمع الحق من الراهب ونبذت الشر المتمثل في الساحر الكافر .

2-        لا بأس بالكذب للنجاة من كيد الكافرين عند الضرورة .

3-   علم الغلام بفطرته أن الحق مع الراهب ولكن أراد أن يقيم الحجة (مثل إبراهيم عليه السلام) حيث أقام الحجة على قومه .

4-        الدعاء إلى الله أن يظهر له الحق ويبين له وجه الصواب ويقطع الشك باليقين ، وهذا شأن المؤمن يلجأ إلى الله دائماً لحل مشاكله .

5-   إماطة الأذى عن الطريق وتخليص الناس من كرب وقعوا فيه ، مشروع ومطلوب يؤجر المسلم عليه ، كما صرحت بذلك الأحاديث .

6-        المؤمن الصادق هو الذي ينسب فعل الكرامة إلى الله وليس إلى نفسه .

7-        الاعتراف بالفضل ولو إلى غلام صغير : ( أي بني أنت اليوم أفضل مني) .

8-        كل من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وصدع بالحق لا بد من أن يبتلى ، وعليه بالصبر ، وله الأجر الكبير عند الله ، قال تعالى على لسان لقمان يوصي ولده (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) .

9-    كل من أخطأ في تعبيره لا يترك في خطئه ، بل يبين له وجه الصواب ، لا سيما في عقيدة التوحيد ، فالغلام يقول للوزير : إني لا أشفي أحداً ، إنما يشفي الله تعالى ، وهذا مطابق لقول الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).

10-  إن لله رجالاً أقوياء بإيمانهم ، فمهما عذبوا لا يرجعون عن دينهم ، ولا يرضون الطغاة بكلمة فيها ضعف أو كفر ، ولو حرقوا ، أو نشروا أو أغرقوا وهو الأفضل وقد أشار إليهم الله سبحانه وتعالى بقوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) ، وقد سمح الله للمؤمن أن ينطق بالكفر إذا أكره عليه فقال سبحانه وتعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) .

11-  لا بد لكلمة الحق أن تنتصر ، فالملك يعجز عن قتل الغلام ، ولا يتم له ذلك إلا بطريقة يرسمها الغلام للملك ، يعقبها إيمان الشعب وانحدار الملك ، ويتحقق قول الله تعالى : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .

12-  الغلام المؤمن يضحي بنفسه ليؤمن الناس ، وهذا شأن المؤمنين المخلصين يسعون لإنقاذ أمتهم ، ولو أدى ذلك إلى استشهادهم ، فهم إلى الجنة ذاهبون ، قال تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .

13-  يثبت الله المؤمنين بالحجج البينات ، ويؤيد دينهم بالكرامات ، فهذا هو الرضيع ينطق (يا أمه إصبري فإنك على الحق) . والأم تستجيب لهذا الأمر ، وتلقي بنفسها مع طفلها صابرة محتسبة .

14-  مصير المؤمنين إلى الجنة بعد موتهم ، ومصير هؤلاء الكفار الحرق في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة .

 

 

 

المزيد >>

 

 

 

هذا ديننا

مواضيع ومقالات

بعدستي

بقلمي

هو..وهي

ماذا نقرأ

صفحات خاصة

 In English

منوعات

صورة وتعليق

ابتسم من فضلك

شغل مخك

الدنيا بخير

لصحتك وحياتك

مختارات قيّمة

أرشيف الموقع 2007