الصفحة الرئيسية |
|
الأحد 8 رمضان 1435هـ، 6 يوليو 2014م |
|
ثلاثة في غار النجاة بصالح الأعمال
روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:« بَيْنَمَا ثَلاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمْ الـْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْـجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«انْظُرُوا أَعْمَالا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِله ، فَادْعُوا الله تَعَالَى بِهَا ؛ لَعَلَّ الله يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ» . فَقَالَ أَحَدُهُمْ:«اللهمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا. فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ». فَفَرَجَ الله مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ . وَقَالَ الآخَرُ:«اللهمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا ـ (وفي رواية لمسلم أيضًا: فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي) ـ فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ:« يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ وَلا تَفْتَحْ الْـخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ» ، فَقُمْتُ عَنْهَا ، ـ (وفي رواية للبخاري: فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ) ـ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً » فَفَرَجَ لَـهُمْ . وَقَالَ الآخَرُ:«اللهمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ:«أَعْطِنِي حَقِّي» ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا ، فَجَاءَنِي فَقَالَ:«اتَّقِ الله وَلا تَظْلِمْنِي حَقِّي»، قُلْتُ:«اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا ، فَقَالَ:«اتَّقِ الله وَلا تَسْتَهْزِئْ بِي» ، فَقُلْتُ:«إِنِّي لا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا» ، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ». فَفَرَجَ الله مَا بَقِيَ ، وَخَرَجُوا يَمْشُونَ».
من عبر القصة: يُسْتَحَبّ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَال كَرْبه ، وَغَيْره بِصَالِحِ عَمَله ، وَيَتَوَسَّل إِلَى اللهِ تَعَالَى بِهِ ؛ لأَنَّ هَؤُلَاءِ فَعَلُوهُ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ ، وَذَكَرَهُ النَّبِيّ ص فِي مَعْرِض الثَّنَاء عَلَيْهِمْ ، وَجَمِيل فَضَائِلهمْ . 2- فَضْل الْعَفَاف وَاِانْكِفَاف عَنْ الْـمُحَرَّمَات ، لا سِيَّمَا بَعْد الْقُدْرَة عَلَيْهَا ، وَالْـهَمّ بِفِعْلِهَا ، وَيَتْرُك لِلهِ تَعَالَى خَالِصًا . 3-أَنَّ تَرْك الْـمَعْصِيَة يَمْحُو مُقَدِّمَات طَلَبهَا ، وَأَنَّ التَّوْبَة تَجُبّ مَا قَبْلهَا. 4- جَوَاز الإِجَارَة وَفَضْل حُسْن الْعَهْد ، وَأَدَاء الأَمَانَة ، وَالسَّمَاحَة فِي الْـمُعَامَلَة . 5-إِثْبَات كَرَامَات الأَوْلِيَاء ، وَهُوَ مَذْهَب أَهْل السنةِ والجماعةِ. 6-فَضْل الإِخْلَاص فِي الْعَمَل . 7-أثر التقوى في تخليص العبد من كربه وبلائه ؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق:2). 8- الأثر الطيب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نَهَتْ المرأة ابنَ عمِّها لَـمـَّا وَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتْ:« يَا عَبْدَ اللهِ اتَّقِ اللهَ وَلا تَفْتَحْ الْـخَاتَمَ إِلا بِحَقِّهِ ، فَقَامَ عَنْهَا »، فصان الله عِرضَها ؛ فلم تقع في الفاحشة ، وَتَرَكَ لها الْمِائَةَ دِينَارٍ. 9- فَضْل بِرّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْل خِدْمَتهمَا وَإِيثَارهمَا عَمَّنْ سِوَاهُمَا مِنْ الأَوْلاد وَالزَّوْجَة وَالأَهْل وَغَيْرهمْ وَتَحَمُّل الْـمَشَقَّة لأَجْلِهِمَا .
|