.

كف لسانك عن المسلمين

 

 

  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة:" يا أبا هريرة، ان أحببت أن يفشي الله لك الثناء، الحسن الجميل في الدنيا والآخرة، فكف لسانك عن المسلمين".

وقال صلى الله عليه وسلم:" ما صام من ظل ياكل لحوم الناس".

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أبغض عباد الله الى الله كل طعّان لعّان.

وقال سعيد بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم:" ان العبد يعطى كتابه يوم القيامة، فيرى فيه حسنات لم يكن عملها قط، فيقول: يا رب، من أين هذه الحسنات؟ فيقول: باغتياب الناس فيك وأنت لا تعلم".

وقال حاتم الأصمّ: ثلاثة اذا كنّ في مجلس فالرحمة مصروفة عنه: ذكر الدنيا، والضحك، والوقيعة في الناس.

  واعلم رحمك الله، أن النميمة تفسد الدين والدنيا، وتغيّر القلوب، وتولّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات. قال الله العظيم:{ ولا تطع كل حلاف مهين همّاز مشّاء بنميم منّاع للخير معتد أثيم عتّل بعد ذلك زنيم} القلم 10-13.

  وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة فقال:" أن تذكر أخاك بما هو فيه غائب عنك، وان ذكرته بما ليس فيه فقد بهته".

وقال صلى الله عليه وسلم:" شرّ عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة".

وقال صلى الله عليه وسلم:" لا يدخل الجنة قتات".

وقال صلى الله عليه وسلم:" من مشى بين اثنين بالنميمة، سلط الله عليه نارا في قبره تحرقه الى يوم القيامة. وحيّة تنهشه حتى يدخل النار".

قال صلى الله عليه وسلم:" من ألقى بين اثنين عداوة، فليتبوأ مقعده من النار، ومن أصلح بينهما، فقد وجبت له على الله الجنة".

  قال بعض الحكماء: النميمة تهدي الى القلوب البغضاء، ومن واجهك فقد شتمك، ومن نقل اليك فقد نقل عنك، والسّاعي بالنميمة كاذب لمن يسعى اليه، وخائن لمن يسعى به.

  قال الشاعر:

احفظ لسانك لا تؤذي به أحدا           من قال في الناس عيبا قيل فيه بمثله

  قال الأصمعي: شاهدت أعرابية وهي توصي ابنها، فقالت: يا بنيّ، أمنحك وصيّتي وبالله التوفيق، فاياك والنميمة، فانها تورث العداوة بين الأهلين، وتفرّق بين المحبين، واياك والتعرّض للعيوب، فتصير لها أهلا، وايّاك والجود بدينك، والبخل بمالك، ومثل لنفسك مثالا من غيرك، فما استحسنته من الناس فافعله، وما استقبحته منهم فاجتنبه، فان المرء لا يرى عيب نفسه.

ثم أمسكت، فقلت: يا أعرابية، بالله ألا زدتيه، فقالت: يا حضريّ، أعجبك كلام العرب؟ فقلت: أى والله.

فقالت: يا بني، اياك والغدر فانه أقبح ما تعامل به الناس، واجمع بين السخاء والعلم، والتواضع والحياء، وأستودعك الله، وعليكم السلام.

واعلم رحمك الله أن الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الاسلام.

  وقال بعض أهل العلم: الغيبة تنقض الوضوء، وتفطّر الصائم.

وكان بعض الفقهاء يعيد الوضوء من الغيبة.

وقيل: مثل صاحب الغيبة كمثل من نصب منجنيقا، فهو يرمي به حسناته يمينا وشمالا، وشرقا وغربا.

وأوحى الله تعالى الى موسى عليه السلام: أتحب أن أنصرك على عدوّك؟ قال: بم؟ قال: بردّك الغيبة عن المسلمين.

ومن مات تائبا عن الغيبة والنميمة، فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات وهو مصر عليهما، فهو أول من يدخل النار.

وقال سليمان عليه السلام: يا رب، أي الأعمال أفضل وأحب اليك؟ فقال تعالى عشر خصال يا سليمان، أدها أن لا تذكر أحدا من عبادي الا بخير، ولا تغتب أحدا ولا تجسّه.

فقال: ربّ، احبس عني السبعة فقد كربني هؤلاء.

وقال عطاء السليمي: عذاب القبر ثلاث أثلاث: ثلث من البول وثلث من الغيبة، وثلث من النميمة.

فايّاك يا أخي والتعرّض للأقدار، وأن تغتاب أحدا بما أودع فيه الجبار، فان المولى جل جلاله أعلم به، وأحكم ولو شاء لأهلكه وانتقم.

يروى أن عيسى عليه السلام مرّ ببعض الأنهار، فاذا بصبيان يلعبون في ذلك النهر، ومعهم صبي أعمى قد كف بصره، وهم يغمسونه في الماء، ويفرّون منه يمينا وشمالا، وهو يطلبهم ولا يظفر بهم.

ففكر عيسى عليه السلام في أمره، ودعا ربه أن يردّ عليه بصره، وأن يساوي بينه وبين أصحابه.

فردّ عليه بصره، فلما فتح عينيه ورآهم وثب على واحد منهم، فتعلق به ولم يزل يغمسه في الماء حتى قتله، وطلب آخر فتعلق به كذلك حتى مات، وهرب الباقون.

فرأى عيسى عليه السلام ذلك، فتعجب، وقال: يا الهي، وسيدي ومولاي، أنت بخلقك أعلم، فدعا ربه أن يردّه كماكان ويكفيهم أمره.

فأوحى الله تعالى الى عيسى عليه السلام: قد كنت اعلمتك وتعرّضت اليّ في حكمي وتدبيري، فخرّ عيسى عليه السلام ساجدا.

واعلم أنه لا يجري في هذا العالم أمر الا وللمولى فيه حكم تدبير.

 

  عن بعض السلف أنه قال: اذا كان يوم القيامة، اجتمع القوم الذين كان  يتجالسون على غير طاعة الله تعالى، ويتعاونون على المعاصي، فيجثون على الرّكب، ويعض بعضهم بعضا، وينهش بعضهم بعضا، كالكلاب، وهم الذين خرجوا من الدنيا على غير توبة.

 

  قال الفقيه أبو الحسن علي بن فرحون القرطبي رحمه الله في كتابه المعروف بالزاهر، كان لي عم، وتوفى في مدينة قاس سنة خمس وخمسين وخمسمائة، فرأيته بعد ذلك في المنام وهو داخل عليّ في داري، فقمت اليه ولاقيته بقرب الباب، وسلمت عليه، ودخلت خلفه، فلما توسّط في البيت، قعد واستند بظهره الى الجدار، فقعدت بين يديه، فرأيته شاحب اللون متغيّرا، فقلت له: يا عمّاه، ماذا لقيت من ربك؟ قال: ما يلقى من الكريم يا بنيّ، سمح لي في كل شيء الا في الغيبة، فاني منذ فرقت الدنيا الى الآن محبوس فيها، ما سمح لي بعد فيها، فأنا أوصيك يا بنيّ: ايّاك والغيبة والنميمة، فما رأيت في هذه الدار شيئا أشد بطشا وطلبا من الغيبة. وتركني وانصرف.

وأنشدوا:

يموت كل الأنام طرّا            من صالح كان أو خبيث

فمستريح ومستراح                          منه كما جاء في الحديث

  وقال سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة فيدفع له كتابه، فلا يرى  فيه صلاته ولا صيامه، ويرى أعماله الصالحة، فيقول يا رب، هذا كتاب غيري، كانت لي حسنات ليس في هذا الكتاب، فيقال له: ان ربك لا يضل ولا ينسى، ذهب عملك باغتيابك الناس.

 

فايّاك يا أخي والغيبة والنميمة، فانهما يضرّان بالدين، ويحبطان عمل العاملين، وتورث العداوة بين المسلمين، أعاذنا الله منهم.