.

السلطان عبد الحميد

 


تولى السلطان عبد الحميد الثاني الخلافة في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م، وتبوَّأ عرش السلطنة يومئذٍ على أسوأ حال، حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء في ذلك الأوضاع الداخلية والخارجية. وفي نفس السنة دخلت الدولة العثمانية في أزمة مالية خانقة جعلتها ترضخ تحت ديون خارجيه للدول الاوروبيه بلغت خمسة ملايين ليره ذهبيه.

لما عقد اليهود مؤتمرهم الصهيوني الأول في) بال) بسويسرا عام 1315هـ، 1897م، برئاسة ثيودور هرتزل (1860م-1904م) رئيس الجمعية الصهيونية، اتفقوا على تأسيس وطن قومي لهم يكون مقرًا لأبناء عقيدتهم، وأصر هرتزل على أن تكون فلسطين هي الوطن القومي لهم، فنشأت فكرة الصهيونية، وقد اتصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليسمح لليهود بالانتقال إلى فلسطين، ولكن السلطان كان يرفض ثم قام هرتزل بتوسيط كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلة بالسلطان أو ببعض أصحاب النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيط بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم يفلح، وأخيرًا زار السلطان عبد الحميد بصحبة الحاخام (موسى ليفي) و(عمانيول قره صو)، رئيس الجالية اليهودية في سلانيك، وبعد مقدمات مفعمة  بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءات المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالاً طائلة مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالف سياسي يُوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضده في صحف أوروبا وأمريكا. لكن السلطان رفض بشدة وطردهم من مجلسه وقال: (( إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكى إنما هى ملك الأمة الاسلامية، و ما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع و ربما إذا تفتت بلاد الاسلام يوما، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل )) ، ثم أصدر أمرًا بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.

 


وعندما شعر اليهود ان الخلافه بدأت تتهاوى للسقوط رأو انها الفرصه الذهبيه لاستغلال الضعف الذي يشعر به السلطان فقاموا بزيارته بصحبة وزير خارجية النمساء واصطحبوا اساطيل المال من اليهود فساوموه على تقديمهم خمسة ملايين ذهب لتسديد ديون الدوله وخمسة ملايين اخرى ليدعم اركان الدوله ويقويها مقابل وثيقه بيع فلسطين لهم.

فماذا كان موقفه في هذه اللحظه؟ والمُلْك يدفع الاخ لقتل اخيه..!!

هنا برزت بذرة الايمان واشتعلت جمرتها التي كادت ان تسمد وانتفض الشعور بالعزوه في صدر المسلم وتحركت دوافع الوازع الديني في قلبه ليقوم بثبات شامخ وكلمة واثقه وتفكير اتصل بالمآل يوم القيامه ليقول:

((ان بقي الملك لي فلن ابقى له.. وبأي وجه اقابل الله يوم القيامه وقد بعت مقدساته على اعدائه؟ بل يضيع الملك ولاادنس يميني بمثل هذا العمل الفاجر)).. الله اكبر ما اجمل الشموخ اذا خضع الناس وما أجمل العزة اذا ذل الناس ..

وفعلا سقط عن عرشه وسجن ولكنه بقي شامخا رغم سقوطه وطليقا رغم سجنه ونقيا رغم اسمال ثيابه ليموت طاهرا من هذا الاثم عام 1918م.

ليقول امير الشعراء احمد شوقي:

 

ضجت عليك مآذن ومنابر=وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والـهة ومصر حزينة=تبكي عليك بمدمع سحاح
والشـام تسأل والعراق وفارس=أمحا من الأرض الخلافة ماح
نزعو عن الأعناق خير قلادة=ونضوا عن الأعطاف خير وشاح
من قائل للمسلمين مقالة=لم يوحها غير النصيحة واح
عهد الخلافة فيه أول ذائد=عن حوضها بيراعه نضاح
إني أنا المصباح لست بضائع=حتى أكون فراشة المصباح