.

ألقاب وأوسمة

بقلم: نادية كيلاني

 

ألقاب و أوسمة

حصَلْتُ على جميع الألقاب التي يُمْكن أن تَحْصل عليها عدَّة إناث:

تزوَّجْتُ متأخِّرة، بعدما تَمتَّعتُ مُدَّةً لا بأس بها بِلَقَب "عانس" في تبادُلٍ مع لقَب "آنسة"، "آنسة" في الوَجْه على سبيل التفضُّل، أمَّا "عانس" فكنت أَسْمعه هَمْسًا مشفوعًا بِمَصمصة شِفاه البعض وتعَجُّب البعض، فلا ينقصني شيءٌ لأحصل على زوج مُحْترم ومرموق، لكنَّه الحظ!

 

المهم أنَّني خلَعْت هذا اللَّقَب للأبَد حين تسلَّمْت قسيمة الزَّواج، وتَمتَّعت بِلَقب "زوجة" مع بعض الْهَمْس والغمز، مِن قبيل: "الْحَمد لله لَحِقت بقطار الزَّواج في السِّبِنْسة".

 

لم يَدُم لقَب "زوجة" كثيرًا، رغم تَحمُّلي لِسُوء خلُقِه وصَبْري على فظاظته، ومع ذلك منَحَنِي لقَب "مُطَلَّقة" حين تسلَّمت قسيمة طلاقي، وما عرَف الناسُ بالْخَبَر حتى عادتْ مَصْمَصات الشِّفاه مع جُمْلة: "لو فيها خَيْر ما رَماها الطَّيْر".

 

عشت مع لقب "مطلَّقة" مُدَّة لا بأس بها، وكنتُ في هذه المُدَّة ورغم قسوة اللَّقَب الذي ذَكَّرَنِي بلقب عانس، وبرغم الْهَمْس واللَّمز ترَوَّيْت في الارتباط من جديد، فرغم كثرة مَن تقدَّموا لِخِطْبتي، إلاَّ أنني أصْرَرْتُ على عدم تَكْرار الفشل، الذي كان بسبب استعجالي في الارْتِباط.

 

وجاء الزَّوج الجديد كما وصفَتْه الخنساء:

طَوِيلُ النِّجَادِ رَفِيعُ العِمَادِ

 

وعُدْت لِلَقَبِ "زوجة"، وهو لقب له سِحْر وجَمال، ويحمل أمانًا وضَمانًا، وعِشْتُ في كنَفِ رجل كريم، مُحِبٍّ ذكي، طويل النِّجاد، لكنه كان قصير العُمر، وحمَلْت لقَب "أرملة" مشفوعًا بِعَطف النَّاس أحيانًا، ووَصْفي بالمنحوسة أكثر الأحيان!

 

ولكنَّه لم يكن نَحْسًا كاملاً، فقَبْل رحيله كان قد أعلى حَرْثَه، وبذَرَ بَذْرَه، وتَرَك لي نَبْتة الوَلَد، وها هو يَنْمو في بَطْني؛ لِيَمنحني بعد أشهر قليلةٍ لقَبًا تَتَمنَّاه كلُّ أنثى.. لقب "أُمّ".

 

عِشْتُ بعده أُمًّا وأبًا وصديقة لابْنِي وابنِ رفيع العماد.. أسْعَدُ بارتفاع هامَته أمام عيني يومًا بعد يوم، وبانتقاله من مرحلة دراسيَّة إلى مرحلة، حتى تخرَّج في كُلِّيَّة مرموقة، وجاءني يزفُّ خبَر نجاحه وفي يده زميلَتُه التي اختارها؛ لِتُشاركه حياتَه.. لَمْ أستطع أمام إلحاحه أن أُثْنِيَه، أو أؤخِّر نَفْسي عن لقَب "حَماة".

 

تزوَّج ابني، وسَعِد في حياته، واليومَ كُنَّا في هَرْج ومرج طوال اليوم في المُسْتشفى مع زوجته التي منحَتْنِي لقَب "جَدَّة".

 

عُدْنا بها وبِحَفيدي الذي يُشْبه جَدَّه، وهُما الآن يَغُطَّان في نوم عميق، وابْنِي بالخارج يَشْتري احتياجات المولود وأُمِّه، وجلَسْت أنا في الشُّرفة أنظر للسَّماء البعيدة، أشْكُر الله على نعمته، وعلى رحلتي، بِحُلْوِها ومُرِّها، هي الآن ذِكْرى جميلة، تذكَّرْتُ الأحداث البعيدة والقريبة في حياتي، وأتَخيَّل الألقاب التي حصَلْت عليها، وردَّات فِعْلِها، وأبتسم من بعض السَّذاجات، اليوم فقط أرى تلك الألقاب أوسِمَة تزيِّنُنِي، وأحمد الله على ما متَّعَني به مِن صَبْر، وكافَأَني به من خير، ووجَدْتُنِي أدوِّن ما سوف تَقْرؤونه بعدما أكون قد حصَلْت على لقَب "مرحومة".