. السيطرة على الغضب |
||
التحكم في انفعال الغضب, والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية لكي ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها وأخلاقها.. وأيضا لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية متعددة , ولكي يتفادى أيضا كثرة التصادم والاحتكاك والذي يحصد بسببه خصومات وعداوات كثيرة. ادفع بالتى هى أحسن ومن آيات الذكر الحكيم ما يفيد الانسان كثيراً في مثل تلك الحالات ويفضل تسجيله و ترديده وتأمله وغرسه في الذهن باستمرار أثناء جلسات للخلوة والاسترخاء الذهنى والتأمل – اطلقت عليها اسم الخلوة العلاجية - ومنها الآية الكريمة التى يقول فيها رب العزة : " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" ( سورة فصلت الآية34) . ولم أر في الحقيقة أعظم أثراً في إزالة الغضب والانفعالات المدمرة المصاحبة له من ترديد تلك الآية الكريمة وغرسها في الذهن . والرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق أجمعين كان له منهج واضح ومتميز في تعديل السلوك في حالات الغضب لعلمه المستمد من علام الغيوب بأن الغضب وسرعة الانفعال يتصدر قائمة العوامل المسببة للاضطرابات النفسية والتشويش الذهني وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية , وهو أيضا من أهم أسباب اختلال التوافق واللياقة النفسية والبدنية . وهناك حقيقة لا تقبل الجدل تقول:" لا ينال العلا من كان طبعه الغضب " ، فالغضب لا يفرز إلا الضغينة والحقد ، وهو نار تحرق العقل وتسحق البدن وتصيبه بأمراض لا حصر لها . ويتفق معظم علماء النفس على أن الغضب ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي ، ولكنه فى غاية الخطر عندما يزداد ويستمر , وعندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فانه سوف يعانى من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وسلسلة من الأمراض النفسية والجسمانية الأخرى , ونتيجة الغضب لا ينجو فرد من اضطراب التفكير وضعف التركيز والإعياء الذهني و البدني , والنهاية غالبا فقد الرغبة في الاستمتاع بالحياة ، مع بعض أعراض الاكتئاب . الغضب كالبخار المضغوط والغضب مثل البخار المضغوط في إناء محكم إذا لم يجد منفذاً لخروجه فانه يصيب الفرد بمرض أو أكثر من تلك المجموعة المسماة بالأمراض النفس- جسمية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبي والصداع العصبي المزمن .. الخ , ويعبر البعض عن ذلك بأن الغضب إذا لم يخرج فسوف يستقر في أحشائك . منهج الرسول فى تعديل السلوك والسيطرة على الغضب والرسول صلى الله عليه وسلم له منهج فعال لتعديل السلوك في حالات الغضب يتضمن عدة طرق وأساليب ناجحة نذكر أحدها , وهو يهدف إلى طرد الأفكار الخاطئة المثيرة للانفعال أولاً بأول ، بتكرار وترديد بعض الآيات الكريمة "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" ( سورة المائدة الآية 13) وقال تعالى : "ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور" (الشورى 43). وقال صلى الله عليه وسلم : " ليس الشديد بالصرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" . وفى سيرة النبي العطرة كثير من المشاهد والمواقف الحية التي يمكن للإنسان أن يحاكيها ويقلد هذه الأنماط السلوكية ومن ضمن تلك المواقف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوما يمشى ومعه أنس فأدركه أعرابي فجذبه جذباً شديداً وكان عليه برد غليظ الحاشية ، قال "انس" رضي الله عنه : "حتى نظرت إلى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبه " فقال : "يا محمد هب لي من مال الله الذي عندك " فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك ثم أمر بإعطائه ومنع الصحابة من التعرض له ، ولما أكثرت قريش إيذائه قال : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وعفا عنهم جميعاً , تلك هي أعظم درجات القوة النفسية ودلالة اكتمال العقل وانكسار قوة الغضب وخضوعها التام للعقل والحكمة . وإذا أردت التدريب على هذا المنهج عليك في نهاية كل يوم أن تجلس في خلوة علاجية مسترخياً على مقعد مريح وأن تأمر ذهنك بطرد كل الأفكار السلبية والهموم وأن تتأمل منهج الرسول الذي ذكرناه والمواقف العملية المثيرة للغضب التي تعرضت لها ومدى نجاحك في تطبيق وتقليد هذا المنهج في معالجتها .. وأن تتابع ذلك وتسجله في مفكرتك الخاصة يومياً لمدة شهر وسوف تشعر بالقوة النفسية وتزايد قدراتك في السيطرة على الغضب .
|