في كتابه (
أعط الصباح فرصة ) يحكي الأستاذ عبدالوهاب مطاوع ـ رحمه الله ـ قصة
طريفة كان شاهدا على أحداثها ، وخبرها أن أحد أصدقاءه ذهب لإجراء جراحة
مؤلمة ،ـ
وكان الأستاذ مطاوع حاضرا معه ، وكانت تلك الجراحة ـ في ذاك الوقت ـ
تصيب المرء بآلام فظيعة ، يصرخ منها أشد الرجال قوة واحتمالا كالأطفال
الصغار ،ـ
فقام الصديق بإجراء الجراحة وتبعه مريض آخر لديه نفس الداء.ـ
يقول
الأستاذ مطاوع ( وكان مع المريض الآخر أخاه ، فما أن استيقظ هذا المريض
واستعاد الشعور إلا وداهمته الآلام المبرحة ، فأخذ يصرخ بشدة طالبا
النجدة ،ـ
فانزعج الأخ بشدة وذهب إلى الطبيب فطمئنه إلى أن هذه الأعراض طبيعية
وسيظل هكذا
حتى الليل وسيأتي لإعطائه حقنة مروفين ، فذهب الأخ لطمأنة أخاه فوجد
صراخه قد على واشتد ، فعاد أدراجه إلى الطبيب يستجديه أن هناك خلل ما
في العملية ،ـ
ولم يتركه إلا وقد أحضره معه ، فقام بتوقيع الكشف عليه وأخبره ثانية
إلى أن هذه الأعراض طبيعية وسيصرخ هكذا حتى حلول المساء!ـ
وذهب الطبيب
ولم يتوقف صراخ وتوسل الأخ المريض ، وعندما بلغت الحيرة مداها عند الأخ
المرافق ، تذكر صديقي ، فحدثته نفسه أن يذهب إليه في الغرفة المجاورة
ليرى هل يتألم مثل أخاه فيطمئن إلى أن هذا الألم طبيعي ، أم أن هناك
مشكلة يحاول الطبيب إخفائها !ـ
جاء إلى
صديقي المريض ولم أكن وقتها في الغرفة ، فاستأذن فوجد صديقي يرقد ساكنا
ويطالعه بهدوء ، فسلم عليه فرد عليه السلام،ـ
وقال له :
كيف حالك يا أستاذ فلان ؟
فأجابه صديقي
في هدوء : الحمد لله !ـ
فقال له ،
كأنما يتأكد من مخاوفه : هل أنت بخير ؟
فأجابه صديقي
في وقار : نعم والحمد لله !.ـ
فعاد يسأله
من باب المجاملة والتعاطف ، خاصة وقد وجده وحيدا في غرفته : هل تريد
شيئا قبل أن أنصرف
فأجابه
صديقي بنفس الوقار والهدوء : نعم .. أريد أن أموت!ـ
فلم يستطع
الرجل من أن يمنع نفسه من الانفجار في هستريا من الضحك ،ـ
وقال لصديقي
: يبقى خير ! . ثم ربت على رأسه مشجعا ، وهو في قمة الابتهاج بعدما
تبددت مخاوفه.ـ
وفي الممر
التقينا وروى لي ما حدث وضحكنا معا ، وسألني أين كنت فرويت له أنني كنت
في مكتب الطبيب المقيم للمرة العاشرة منذ الصباح أرجوه أن
يأتي معي
ليطمئن صديقي إلى أن كل شيء على ما يرام،ـ
بعد أن ظل
يصرخ بلا توقف ويستغيث بلا انقطاع ، فإذا كنت قد وجدته حين زرته ساكنا
لا يصرخ فليس معناه أنه لا يتألم ، بل يتألم إلى حد العجز عن
الصراخ
والعويل ، وما هي إلا لحظات ويعاود الصراخ مرة أخرى ! .)ـ
وفي هذا
الموقف درس غاية في الأهمية وهو
ألا ننخدع
بالمظاهر ، فُرب ضاحك والألم يعتصر كبده اعتصارا ، وآخر هادئ الجنان
لكن السعادة والحبور
تحمله على
جناحيها وتطير به في عوالمها.ـ
وكم انخدعنا
في أشخاص كنا نظن أنهم سعداء منبهرين بابتسامة مرسومة على شفاههم ،
وأناقة بادية عليهم ..ـ
لكننا عندما
سبرنا أغوارهم وجلسنا واستمعنا إليهم وجدنا حياتهم أتعس بكثير مما نظن
، وأنهم مساكين حقا
فلا يخدعنك
ضحكة ضاحك ، ولا مظاهر كاذبة
وعش في الحياة ناظرا دائما للجوهر لا للمظهر
ولا تحكم على
أحد قبل أن تسبر أغواره جيدا
قال فولتير
:ـ
لا
تنخدع بضحكهم فإنهم لا يضحون ابتهاجا وإنما .. تفاديا للانتحار !ـ
|