.

 

خليفة عظيم ونخوة إسلامية

 

الجواب ما تراه لا ما تسمعه:

بعد سلسلة الهزائم التي ألحقها هارون الرشيد بالروم، أجبر ملكتهم ريني على دفع الجزية، فكانت تورد سنويا سبعين ألف دينار ذهبية إلى بيت مال المسلمين، ولم يكن ذلك سهلا على كبراء الروم، وشعروا بالعار والإذلال، قام نقفور فأطاح بالملكة وجلس على العرش بدلا عنها، ودشن ذلك المغرور عهده بنقض الهدنة وإعلان الحرب على المسلمين، وبعث بكتاب حادٍ إلى هارون الرشيد، جاء فيه:

"... أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي كانت أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيذق، فحملت إليك من أموالها أحمالا، وذلك لضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها، وإلا فالسيف بيننا وبينك".

ولما قرأ هارون الرشيد هذا الكتاب غلى الدم في عروقه، لدرجة أفزعت كل من حوله، فوجموا ووقفوا بجانبه كالصم البكم، واستعجم الرأي على وزيره الفضل بن الربيع (وهو اللبيب الحاذق النبيه)، فكان أن أخذ الرشيد ذلك الكتاب وكتب على ظهره بيده:

"من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه لا ما تسمعه"، وأعقب ذلك الكتاب، بالتحرك من فوره على رأس جيشه لغزو بلاد الروم، وحاصر مدينة هرقل حصارا شديدا، اضطر معه نقفور، الذي كان قبل عدة أيام فقط يهدد ويتوعد، أن يستجدي الصلح والموادعة من الرشيد والتزم بخراج يدفعه إليه كل عام.

وعلى ذلك، انسحب الرشيد وعاد بجيشه إلى الرقة، وما كاد يصل إليها حتى بلغه نقض نقفور للعهد مرة أخرى، فتحرك الرشيد على رأس الجيش من جديد، ورغم عامل الثلوج والمطر والبرد الشديد، الذي عول عليهما نقفور، فإن ذلك لم يثن الرشيد، وتمكن بعون الله وتوفيقه من إخضاعه مرة أخرى، وأجبره على دفع الجزية وهو صاغر ذليل.

قال عبد الله بن يوسف التيمي :

نقض الذي اعطيته نقفورُ
فعليه دائرة البوار تــدور ُ


أبشر امير المؤمنين فإنه
غُنْمٌ اتاك به الإله كبيـــر