.
لا تسلِّم نفسك للآخرين!!
صادف في إحدى الدورات (ذات الرسوم المرتفعة جداً) التي حضرتها أن أجلسني المنظمون في طرف القاعة الغاصة بالمتدربين، وقد كان موقعاً في غاية السوء حيث بالكاد كنت أرى المدرب، وفوق هذا كنت في مواجهة تيار هوائي بارد وعنيف، وبعد لحظات من جلوسي أحسست بثقل في رأسي وألم في أطرافي والمشكلة أننا لازلنا في بداية الدورة التي ستمتد لأكثر من خمس ساعات .. الجميع متحفز ومتفاعل مع المدرب المشهور إلا الفقير لعفو ربه فهو في كبد لا يعلمه إلا الله! والمصيبة أني كنت أوزع الابتسامات على من يجاورني ولسان حالي يقول: لا تحسبوني أرقصُ بينكم طرباً ... فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألمِ ... هل أتصبرُ وأُجاهد وأكتم ما بداخلي وأنهي اليوم على أي حال؟ أم انسحب بهدوء وأسأل الله العوض في الرسوم التي دفعتها وهذا خير لي من أنفلونزا مؤكدة وفائدة معدومة ومتاعب لا تطاق!؟ غادرت القاعة وجلست في صالة الانتظار باحثاً عن مخرج لهذه المعضلة، تحدثت مع المنظمين فلم يتفاعلوا مع معاناتي ثم اهتديت لرأي آخر وجدت فيه المخرج الصحيح والحل الأنسب واليكم تفاصيله: عدت إلى القاعة ووقفت عند مقعدي ورفعت يدي طالباً التحدث ولم يستحب لي .. أبقيت يدي مرفوعة لدقائق حتى أذن لي المدرب بالحديث وبعد الترحيب بالمدرب والحضور، تحدثت بكل صراحة عن معاناتي التي أعيشها وعن استحالة بقائي في هذا الموقع التعيس! وسألت المدرب (بوضوح) أن يساعدني! عمّ ذهول في القاعة وصمت رهيب وأصبحت محط أنظار الحضور بأسرهم! وبعدما انتهيت من كلمتي، تحدث المدرب وشكرني على صراحتي وجعل من تلك المداخلة بوابة لموضوع تحدث عنه لاحقاً ثم طلب من المنظمين إيجاد حل فوري لي، وبالفعل هبوا مسرعين وأجلسوني في مكان ما كنت أحلم به! ومن هذا الموقف تعلمت درساً أعدّه من أعظم الدروس في حياتي ألا وهو أنني اختار في الحياة الأسلوب الذي يناسبني وأن أعبر مشاعري برفض أي وضع خاطئ يُفرض عليّ ... الكثيرُ منا للأسف تراه يقنع بما يفرض عليه، راضياً بالأساليب التي لا يفضلها, صامتاً تجاه التصرفات التي تزعجه والكلمات التي تجرحه، يعتقد أن الآخرين أحق منه بالسعادة في هذه الحياة، وأولى منه براحة البال، بل ويرى كل مطالبه حقيرة تافهة لا تستحق أن يلتفت إليها ولا تستحق منه بذل صغير الجهد من أجلها .. وإليكم بعض تلك المواقف الحياتية المتكررة التي تمر علينا جميعاً: 1 - تذهب لأحد المطاعم الفخمة ويقدم إليك الطعام بارداً فلا تجرؤ على الاعتراض، وقد تقدم إليك الفاتورة وقد شككت في صحتها ولكنك تجبن عن مراجعتها خوفاً من خدش (بريستيجك)! 2 - يتقدم عليك أحدهم في إحدى الطوابير وتكتفي بحديث داخلي مفاده (فعلاً شخص ما عنده ذوق). 3 - تطلب منك الطبيبة في إحدى المستشفيات الخاصة عشرات التحليل والأشعات والتي لا تشكين أنها مبالغ فيها ومع هذا تستكينين وتمسكين بالأوراق ميممة نحو المختبر معزية نفسك بقولك (هي طبية وأعلم مني) ... وغيرها من المواقف المشابهة.
أخي الحبيب أختي الكريمة لا تسلِّم نفسك للآخرين ولا تقدم سعادتك قرباناً لأمزجتهم الرديئة، اعترض بعد أن تتأكد من أن لك حقاً, وتحدّث بلطف وابتسامة وإياك والحدّة والعنف .. طالب بحقك وعبِّر عن مشاعرك بقوة و(توقّع أكيد) بالاستجابة لمطالبك .. تحدّث بثبات ووضوح .. انظر إلى من تخاطب واجعل عينيك في عينيه دون أن تحد النظر إليه .. سل بإصرار وطول نفس حتى يستجاب لك، وتأكد أنك حال اتصفت بتلك الصفات ستنقل للآخرين (شعوراً) بأن مطالبك في محلها وأن اعتراضك مشروع وأن كلمة (لا) منهم لن تثنيك عن مطالبك ولن تجعلك تهرب من المواجهة وتركض نحو الباب بل تؤكد للآخر أنك مازلت تنتظر إجابة ورداً على مطالبك (المنطقية المستحقة) وتقنعه بأن لا يضيع وقته بالمماطلة وأن يتحمل مسؤولية رفضه غير المبرر لطلبك ... إضافة إلى أنك ستكتسب شخصية مرموقة تحظى بتقدير واحترام الجميع .. ما رأيك أن تبدأ من اليوم! جرِّب ولن تندم.