القائمة الرئيسية

 

الصفحة الرئيسية

يا من تملك الحزن قلبه

يا من تملّـك الحزن قلبه.. وكتم الهمّ نفسه.. وضيّق صدره.. فتكدرت

به الأحوال .. وأظلمت أمامه الآمال .. فضاقت عليه الحياة على سعتها..

وضاقت به نفسه وأيامه وساعته وأنفاسه !

لا تحزن .. فالبلوى تمحيص .. والمصيبة بإذن الله اختبار ..

والنازلة امتحان .. وعند الامتحان يُكرم المرء أو يهان ..

ماذا عساه أن يكون سبب حزنك ؟

إن يكن سببه مرض فهو لك خير.. وعاقبته الشفاء .

قال الله جل وعلا : { وإذا مرضت فهو يشفين}

وإن يكن سبب حزنك ذنب اقترفته أو خطيئة فتأمل خطاب مولاك

الذي هو أرحم بك من نفسك :

{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله

إن الله يغفر الذنوب جميعا}

وإن يكن سبب حزنك ظلم حلّ بك من زوج(/زوجة) أو قريب أو بعيد ، فقد وعدك

الله بالنصر ووعد ظالمك بالخذلان والذل . قال تعالى

في الحديث القدسي للمظلوم :

{وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين }.

وإن يكن سبب حزنك الفقر والحاجة ، فاصبر وأبشر .. قال الله تعالى :

{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس

والثمرات وبشر الصابرين}

وإن يكن سبب حزنك انعدام أو قلة الولد ، فلست أول من يعدم الولد

ولست مسؤول عن خلقه ..

قال تعالى: { لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء

إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل

من يشاء عقيما}

فهل أنت من شاء العقم ؟ أم الله الذي جعلك بمشيئته كذلك ! وهل لك أن

تعترض على حكم الله ومشيئته ! أم هل لزوجتك أو سواها أن تلومك على ذلك.

إنها إن فعلت كانت معترضة على الله لا عليك ومغالبة لحكم الله ومعقّبة عليك.

فعلام الحزن إذن والأمر كله لله !

لا تحزن مهما بلغ بك البلاء ! وتذكر أن ما يجري لك قضاء يسري ..

وأن الليل وإن طال فلا بد من الفجر !

وإليك أخي المسلم .. كلمات نيرة تدفع بها الهموم .. وتكشف عنك

بإذن الله الأحزان .

أولا : كن ابن يومك

إنس الماضي مهما كان أمره ، انسه بأحزانه وأتراحه ، فتذكره لا يفيد في

علاج الأوجاع شيئاً وإنما ينكد عليك يومك ، ويزيدك هموماً على همومك ..

فلا تحطم فؤادك بأحزان ولت .. ولا تتشاءم بأفكار ما أحلت!

وعش حياتك لحظة بلحظة .. وساعة بساعة .. ويوماً بيوم !

تجاهل الماضي .. وارمِ ما وقع فيه في سراب النسيان .. وامسح

من صفات ذكرياتك الهموم والأحزان .. ثم تجاهل ما يخبئه الغد ..

وتفائل فيه بالأفراح .. ولا تعبر جسراً حتى تقف عليه .

فالماضي عدم .. والمستقبل غيب !

تأمل كيف استعاذ النبي من الهم والحزن إذ قال :

 {اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والجبن

والبخل ، وقهر الدين وغلبة الرجال }

رواه البخاري ومسلم

أخي المسلم .. يومك يومك تسعد .. أشغل فيه نفسك بالأعمال النافعة .

واجتهد في لحظاته بالصلاح والإصلاح .. استثمر فيه لحظاتك

في الصلاة .. في ذكر الله .. في قراءة القرآن . في طلب العلم ..

في التشاغل بالخير ..

في معروف تجده يوم العرض على الله ..

يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود

لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا

ثانياً : تعبد الله بالرضى

اجعل شعارك عند وقوع البلاء :

إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيراً منها ..

اهتف بهذه الكلمات عند أول صدمة .. تنقلب في حقك البلية مزية ..

والمحنة منحة .. والهلكة عطاء وبركة !

تأمل في أدب البلاء في هذه الآية :

{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات

وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون

أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}

ثالثا ً: افقه سر البلاء

لا تحزن .. فالبلاء جزء لا يتجزأ من الحياة .. لا يخلو منه غني ولا فقير .

ولا ملك ولا مملوك .. ولا نبي مرسل .. ولا عظيم مبجل . فالناس

مشتركون في وقوعه .. ومختلفون في كيفياته ودرجاته ..

{لقد خلقنا الإنسان في كبد}

لا تحزن .. واستشعر في كل بلاء أنك رشحت لامتحان من الله !..

تثبت وتأمل وتمالك وهدئ الأعصاب .. وكأن منادياً يقول لك في خفاء

هامساً ومذكرا ً: أنت الآن في إمتحان جديد .. فاحذر الفشل ..

تأمل قوله : { من يرد الله به خيراً يصب منه } [ رواه البخاري ]

رابعاً : لا تقلق

فالمريض سيشفى .. والغائب سيعود .. والمحزون سيفرح . والكرب سيرفع ..

والضائقة ستزول .. وهذا وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ..

فإن مع العسر يسرا ، إن مع العسر يسرا

لا تحزن.. فإنما كرر الله اليُسْر في الآية .. ليطمئن قلبك .. وينشرح صدرك .

وقال : { لن يغلب عُسر يُسرين }..

خامسا ً: اجعل همك في الله

أخي.. إذا اشتدت عليك هموم الأرض .. فاجعل همك في السماء ..

ففي الحديث : { من جعل الهموم هماً واحداً هـمَّ المعاد ، كفاه الله سائر همومه

ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك }

[ صحيح الجامع ]

لا تحزن .. فرزقك مقسوم .. وقدرك محسوم .. وأحوال الدنيا لا تستحق

الهموم . لأنها كلها إلى زوال .. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور

إذا آوى إليك الهم .. فأو به إلى الله .. والهجي بذكره :

(الله الله ربي لا أشرك به أحداً)

)يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث(

)رب إني مغلوب فانتصر(

فكلها أوراد شرعية يُغفر بها الذنب ويَنفرج بها الكرب ..

اطلب السكينة في كثرة الإستغفار .. استغفر بصدق مرة ومرتين ومائة

ومائتين وألف .. دون تحديد متلذذة بحلاوة الاستغفار ..

ونشوة التوبة والإنابة .

إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين

اطلب الطمأنينة في الأذكار بالتسبيح ، والتهليل ، والصلاة على النبي الأمين

وتلاوة القرآن ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب

لا تحزن .. وافزع إلى الله بالدعاء .. لا تعجز ففي الحديث

{أعجز الناس من عجز عن الدعاء } تضرع إلى الله في ظلم الليالي ..

وأدبار الصلوات .. اختل بنفسك في قعر بيتك شاكيا إليه .. باكيا لديه .

سائلا فَرَجه ونَصره وفتحه .. وألحِّ عليه.. مرة واثنتين وعشراً فهو

يحب المُلحين في الدعاء ..

وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان