القائمة الرئيسية

 

الصفحة الرئيسية

 

حصار عثمان ومقتله

 

بعد أن تفرقت العصابة المجرمة التي خرجت على عثمان بعد أن اجتمع بهم في المسجد وفند مفترياتهم وأجاب على تساؤلاتهم وشبهاتهم.. تواعدوا على الحضور ثانية إلى المدينة لتنفيذ مؤامراتهم التي زينها لهم عبدالله بن سبأ اليهودي الأصل والذي تظاهر بالاسلام. فعادوا وتجمعوا مرة أخرى أمام بيت عثمان لمحاصرته.. جاءوا من الكوفة والبصرة والشام ومصر، ورغم اختلاف المسافات وصلوا في وقت واحد، فقد كان هناك من يدبّر الأمر في المدينة، وادعوا أنهم في طريق عودتهم قبضوا على رسول عثمان لواليه على مصر.. وانهم وجدوا معه كتاباً من عثمان إلى والي مصر يأمر فيه عثمان والي مصر أن يقتل هؤلاء الذين ثاروا عليه، فأقبلوا بهذا الكتاب المكذوب وأتوا علياً رضي الله عنه وقالوا: ألم ترى إلى عدو الله، لقد كتب فينا كذا وكذا وقد أحل الله دمه..

فقال لهم علي: والله لا اقوم معكم..

فقالوا له: ولم كتبت إلينا؟؟ ( وهنا أطلقوا كذبة أخرى بأن علياً كتب وأرسل إليهم).

فرد عليهم علي: والله ما كتبت لكم..

فانطلقوا إلى عثمان وقالوا: لقد كتبت فينا كذا وكذا..فأنكر عثمان هذا الكتاب المكذوب الذي ينسبونه إليه ولكنهم صمموا على نقض العهد معه وأرادوا أن يخلع نفسه من الخلافة وحاصروه..

ولقد تم تزوير كتاب ثالث مكذوب على لسان السيدة عائشة رضي الله عنها.. زعموا أنها تُهيّج فيه الصحابة على قتل عثمان، واقسمت عائشة انها ما كتبت لهم أي كتاب..

والسؤال أين كان صحابة رسول الله عند حصار عثمان؟

حاول الكثير من الصحابة أن يدفعوا عن عثمان ولكنه رفض وطلب منهم جميعا أن يرجعوا.. كان عثمان يستطيع أن يفدي نفسه بدماء الصحابة الذين كانوا يرجونه أن يدفعوا عنه هؤلاء المجرمين.. ولكنهم لم يفلحوا في إقناعه وطلب عثمان من كل المسلمين أن يكفوا سلاحهم وأن يلزموا بيوتهم..

وذهب علي بن ابي طالب إلى عثمان، ومعه 500 من أبطال الصحابه وأراد أن يمنع عنه القوم المجرمين ولكن عثمان قال: ما أحب أن يهرق دمٌ بسببي.. فعثمان حريص على دماء المسلمين ويرفض أن تهرق من أجله الدماء..

وهل كان عثمان عاجزا عن الفرار إلى مصر أو الشام؟

والجواب لا.. بل طُلِبَ منه أن يفر.. ولم يفعل.. ومعاوية بن أبي سفيان واليه على الشام قال له أنه يريد أن يرسل له جيشا من الشام.. لكن عثمان رفض خشية أن يضيّق هذا الجيش الطريق والرزق على المسلمين..لأن الجيش يحتاج إلى مكان واسع ومؤن وطعام.. ولكن عثمان يرى أن مصلحة المسلمين أهم من حياته.. فقال له معاوية: فاخرج إلى الشام، فأجابه عثمان: والله ما كنت لأقبل جواراً آخر على جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم..

لقد فدى عثمان الامة والخلافة بنفسه.. ورفض أن ينصاع لهؤلاء المجرمين وأن يخلع نفسه من الخلافة، حتى لا تكون سابقة وكلما كره ناس إمامهم خرجوا عليه ليعزلوه..

ولقد كان عثمان يوفي عهداً عاهد عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « ادْعُوا لِى بَعْضَ أَصْحَابِى ». قُلْتُ أَبُو بَكْرٍ قَالَ « لاَ ». قُلْتُ عُمَرُ قَالَ « لاَ ». قُلْتُ ابْنُ عَمِّكَ عَلِىٌّ قَالَ « لاَ ». قَالَتْ قُلْتُ عُثْمَانُ قَالَ « نَعَمْ ». فَلَمَّا جَاءَ قَالَ « تَنَحَّى ». فَجَعَلَ يُسَارُّهُ وَلَوْنُ عُثْمَانَ يَتَغَيَّرُ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الدَّارِ وَحُصِرَ فِيهَا قُلْنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تُقَاتِلُ قَالَ لاَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إِلَىَّ عَهْدًا وَإِنِّى صَابِرٌ نَفْسِى عَلَيْهِ.

قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان: « يَا عُثْمَانُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُقَمِّصُكَ قَمِيصاً فَإِنْ أَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ عَلَى أَنْ تَخْلَعَهُ فَلاَ تَخْلَعْهُ لَهُمْ وَلاَ كَرَامَةَ ».

وهكذا كان ما فعله عثمان أمر نبوي…فصبر على البلاء وتحمل الأمر من أوله..

صلى عثمان من الليل ما قَدَّرَ له الله أن يصلي وقرأ القرآن ما قَدَّرَ له الله أن يقرأ ونام، فجاءه الرسول في المنام وقال له: ( أفطر عندنا غدا يا عثمان ) ورأى أبو بكر وعمر في منامه أيضا،  فأصبح عثمان صائما، وطلب عثمان مصحفه الذي جمعه وقُتِل وهو يقرأ فيه وسقطت أول قطرة دم على قوله تعالى: { فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.. حيث انقض عليه المجرمون وضرب الغافقي عثمان بحديدة ثم ضرب المصحف برجله فاستدار المصحف فعاد واستقر بين يديه، وسالت عليه الدماء‏، وضرب رجل آخر يقال له التُجيبّي يد عثمان، وجاءت زوجة عثمان نائلة تدفع عنه فطُعِنَت في يدها فقُطِعت أصابعها.. ووثب عمرو بن الحمق على عثمان فجلس على صدره، وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن فلله، وست لما كان في صدري عليه.. فكيف يدّعي هذا الأمق أن تكون طعناته لعثمان لله تعالى، ونحن جميعا نعرف من هو عثمان رضي الله عنه..ورفض هؤلاء القتلة أن يدفن عثمان في البقيع.. فدفن خارج البقيع، وبعد أن اتسع البقيع أُدخِلَ رضي الله عنه مع موتى المسلمين.

ونتابع في الحلقة القادمة الحديث عن مبايعة علي رضي الله عنه بالخلافة.